11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يغير الفن العالم؟

01 أغسطس 2024

حين رسم الإنسان القديم على حوائط الكهوف رسوما لحيوانات شرسة لم يكن ذلك لحبه لها، لكن كان اتقاء لشرها، ومن هنا جاء السحر، فالساحر يقول دائما أحضروا لي شيئا من أثره، يقصد الذي سيسحره. وسواء آمنا بالسحر أم لا فهذه ظاهرة بين البشر وإن قلّت فلم تعد المجتمعات كلها بدائية. على الجانب الآخر جاء الفن معبرا عن آمال الناس في عالم أفضل. قبل الأديان السماوية أدرك قدماء المصريين أن هناك يوما للحساب فصنعوا المسلات التي تنتهي إلى السماء دلالة على رحلة الصعود، وكذلك كانت الأهرامات. الأمر نفسه حدث في أوروبا. فبلاد مثل اليونان أو إيطاليا أو غيرهما بها في المعابد القديمة رسوم وتماثيل، من حكايات ابتدعها الإنسان عن الآلهة التي لم تخل في مخيلتهم من الصراع بينها أيضا، تماما كما راج عن صراع بين أوزوريس وسِت في مصر مثلا. الأساطير القديمة كلها من صنع الإنسان في محاولة منه للتواؤم مع هذا العالم الواسع غير محدد البدايات والنهايات، فضلا عن مشكلة العدل الذي لم يكن دائما يتحقق كاملا، فوجد الإنسان في يوم الحساب غاية تريحه من ظلم الدنيا، وحين ترسخ يوم الحساب بنزول الديانات السماوية صار المؤمن إذا ضاقت به الأرض من الظلم يقول "حسبي الله ونعم الوكيل " ويجد في ذلك راحة، فمهما بلغ الطاغية من القوة فهناك يوم للحساب. بعيدا عن الفن كان الشعر، وبه جاءت القصص القديمة كلها والملاحم. لم يكن فن الرواية قد استقر أو ظهر بعد. كان الشعر وكان المسرح شعرا وكانت الملاحم إنتاجا شعريا أكثر مما هي نثرية. هذه الفنون كلها بعثت على راحة الإنسان وحين شاعت جعلت من يراها أو يقرأها إنسانا سويا، ولم تكن يوما وراء الثورات في العالم. الثورات كلها حدثت نتيجة تغير المجتمعات. فالثورة الفرنسية جاءت رد فعل للعصر الإقطاعي، والثورة الشيوعية جاءت رد فعل للنظام الرأسمالي وهكذا. هذه الثورات وغيرها عبر التاريخ، فهم من تملكوا الحكم بعدها الفنون والشعر والرواية والمسرح بالخطأ، فهما سياسيا، واعتبروها سبب الثورات تجاهلا للسبب الرئيسي وهو الظلم الاجتماعي وعدم المساواة. كثير من النُظم بعد الثورات أحرقت الكتب. حتى في العصر الإقطاعي في أوروبا أحرقوا كتبا للفلاسفة، وبعد أن سقطت الأندلس أحرق من طردوا العرب كتبا كثيرة، وفي العصر الحديث أحرق هتلر آلاف الكتب وهجر ألمانيا كثير من الكتّاب والسينمائيين والروائيين. الأمر نفسه حدث في إيطاليا الفاشية وفى الاتحاد السوفييتي الشيوعي، لكن انتهت هذه البلاد إلى الانهيار كما حدث في ألمانيا وإيطاليا مع الحرب العالمية الثانية، والاتحاد السوفييتي تفكك بدءا من التسعينيات لأسباب منها حرب أفغانستان التي كانت بلا جدوى، ومنها أن مميزات الحياة كانت تذهب لأعضاء الحزب أو قياداته، لا للشعب على الإجمال. حدث في الصين في الستينيات ما سُمي بالثورة الثقافية من قبِل الزعيم ماوتسي تونج ضد ما أسموه بقايا البورجوازية، لكن الصين الآن نصف نشاطها الاقتصادي في يد الدولة والنصف الآخر في يد القطاع الخاص، وهذا التطور أحد أسباب نجاحها. لماذا أقول هذا الكلام الآن؟ للتأكيد على أنه لا معنى للخوف من الفنون والآداب فهي لا تغير العالم. هي تصنع إنسانا سويّا، والإنسان السوي هو الأصل في تطور المجتمعات. كذلك لأنه في مصر حدثت هجمة كبيرة على ديوان شعر لناشط سياسي هو أحمد دومة، ولم يتركوا الفرصة حتى لنقاد الأدب، وتجاهلوا درس التاريخ، أن الكتب الممنوعة تبقى وتنتشر أكثر ويذهب من منعها.