26 أكتوبر 2025
تسجيلهو رجل بريطاني جدير بالاحترام، اسمه أندور ويلكي، وهو بروفيسور في جامعة أكسفورد العريقة، وله إنجازات معترف بها عالميا في مجال أمراض الدم، وأقام الدنيا وأقعدها، عندما رفض طلبا من طالب اسمه أميت دوفاشاني كان يريد التحضير للدكتوراه تحت إشرافه، ولكن البروفيسور ويلكي رفض طلبه ورد عليه بكل وضوح: شكرا على اتصالك بي، ورغبتك في الالتحاق بالدورات التدريبية التي أنظمها، ولكنني لا أستطيع أن أقبل بك ضمن طلابي، لأنه يصعب عليَّ قبول طالب إسرائيلي سبق له أداء الخدمة العسكرية (كان دوفاشاني مبتعثا من جامعة تل أبيب). ويواصل بروفيسور ويلكي مخاطبة الطبيب الإسرائيلي في رسالته تلك: «والإسرائيليون استثمروا معاناتهم خلال المحرقة النازية، ويواصلون البكاء على ضحاياهم، بينما ينتهكون حقوق الفلسطينيين بصورة فظة، فقط لأنهم - أي الفلسطينيين - يريدون العيش في وطنهم، وقد تكون أنت بالذات شخصا طيبا، ولكن ضميري لا يسمح لي بالتعامل معك، لكونك خضعت للتجنيد الإجباري في إسرائيل». وهكذا قامت قيامة صحف اليمين البريطاني، ونهشت لحم بروفيسور ويلكي متهمة إياه بمعاداة السامية والعنصرية، (جاءتني ذات مرة رسالة باللغة العربية المكسرة، كان من الواضح من اسم من أرسلها أنه إسرائيلي، تتهمني بمعاداة السامية، لأنني كتبت مرارا في مقالاتي عن كوني نوبيا وبالتالي حاميا، فأرسلت إليه ردا أقول فيه: العرب ساميون مثلكم ومع هذا فأنتم تلطمون الخدود – ولا يشقون الجيوب!! بزعم أنهم يعادون السامية. ضغطت جامعة أوكسفورد على ويلكي كي يغير موقفه ويقبل الطالب الإسرائيلي، ولكنه اختار تقديم استقالته على القيام بأمر لا يرضاه ضميره، هنا وقعت الجامعة في حيص بيص، وتكتكت لتجد مخرجا من الورطة، ثم قالت: فلتضرب إسرائيل رأسها بالحائط أو تشرب من البحر الأبيض أو الميت موات ضمائر قادتها. وقررت اعتبار فترة استقالته «توقيفا»، أي تأديبا إداريا وأعادته إلى وظيفته واضطر الطالب الإسرائيلي للبحث عن جامعة أخرى تؤويه. هذه الحكاية مهداة إلى من يعتبرون كل إنسان أبيض عدوا للعرب والإسلام، متناسين أن أقوى الحركات المعارضة لغزو أمريكا للعراق والبلطجة التي مارسها الجنود الأمريكان هناك، كانت تنطلق وتزداد عنفوانا يوما بعد يوم في أوروبا وأمريكا، حتى فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية واضطر لسحب قوات بلاده من هناك، وأن موقف النقابات المهنية والعمالية في الدول الغربية الرافض لسياسات إسرائيل في وقتنا الراهن، أقوى من موقف منظمة التحرير، التي أعلنتها «ثورة حتى النصر»، وأنشأت جهاز البوساد في مواجهة الموساد، وقال شاعرها: البوس أصدق أنباءً من السيف/ في الخد أو في النعل على كيفي. بل إن نقابة أساتذة الجامعات في بريطانيا ما زالت تقاطع الجامعات الإسرائيلية مقاطعة ناجزة كاملة، بينما نحن في معظمنا لا نستطيع أن نمارس كراهيتنا لما تقوم به إسرائيل وأمريكا إلا همسا وخلسة: عبر البريد الإلكتروني أو تطبيق واتساب فيما بيننا، وفي جلسات الأنس، فكل كلمة سوء بحق أمريكا في هذا البلد العربي أو ذاك/ قد تعود عليك بشبهة موالاة الإرهاب، وكل كلمة ناقدة لإسرائيل تجعلك عدوا للسامية، مع أن حكومة إسرائيل الحالية هي العدو الأكبر للسامية. وقد قرأت من قبل للكاتب الأمريكي الكبير وليام فاف في الهيرالد تريبيون (التي رحلت عن دنيا الصحافة) مقالا عن بلطجات شارون السفاح صاحب أسوأ سجل دموي في تاريخ الشرق الأوسط،، وكيف أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش سار على خطاه في العراق من حيث ممارسة القتل العشوائي وتجريف الأراضي الزراعية وتدمير البساتين، وبعد قراءة المقال خشيت على كاتبه من السجن، ثم تذكرت أنه أمريكي ومن حقه أن يقول ما يريد عن حكومة بلاده وحكومات بلداننا، بينما ليس من حقنا أن نقول أي شيء عن حكومة بلاده أو حكومة إسرائيل. أما إذا فقد عربي عقله، وقال شيئا غير المدح في حق الحكومة المنبطحة في محراب الصهيونية، فإنه يلاقي عزرائيل!