14 سبتمبر 2025

تسجيل

بين (أوسلو) و( ميونيخ )..حرب الذئاب!

25 يوليو 2016

في يوم 22 يوليو 2011، وفي عز العطلة الصيفية التي تشهد خلالها العاصمة النرويجية أوسلو هدوءا شاملا، حدث ما لم يكن يطرأ على بال أكبر المتشائمين، وتعكر الهدوء المعهود لعاصمة جائزة نوبل للسلام عبر تفجير إرهابي ضخم جدا للمجمع الحكومي في قلب العاصمة والذي تدمر تماما ولم يتم الانتهاء من إصلاحه نهائيا حتى اليوم!، ثم تحول الحدث صوب جزيرة صغيرة اسمها (أوت أويه) أو الجزيرة الخارجية كانت تشهد انعقاد مخيم صيفي لشباب حزب العمل الذي كان حاكما وقتذاك، وأخذ القاتل يتصيد ضحاياه ويصرعهم وجلهم من الشباب بهدوء عجيب وغريب حتى بلغ عدد الضحايا 77 قتيلا وعشرات الجرحى! وتسبب الهجوم المروع في صدمة شملت الداخل والخارج ورسمت علامات استفهام كبرى حول السلم الأهلي بعد تسرع بعض الأطراف لاتهام المسلمين بالحادث وإطلاق دعوات من اليمين المتطرف باستهداف المسلمين وقد تم استهداف البعض فعلا قبل أن تعرف نتيجة التحقيق والجهة التي تقف خلفه!!، وكانت المفاجأة الكبرى التي هزت النرويج والعالم هي اكتشاف أن من دبر وأدار وخطط ونفذ الجريمة هو شاب نرويجي من اليمين المتطرف كان معروفا للشرطة بتعصبه وعقيدته اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب، لكن جهاز المخابرات النرويجية وقتذاك كان يركز في متابعاته على الجماعات الإسلامية في النرويج مهملا ملف الجماعات اليمينية التي لها تاريخ حافل وشاخص وعدواني في ممارسة العنف!، لقد كان هنالك تقصير حكومي رهيب وعدم استشعار مسبق لمكامن الخطر. فاتضح أن المجرم هو الشاب النرويجي (آندرش برايفك) الذي لم يخف أبدًا كراهيته للأجانب.، ولم يكن (برايفك) يعمل وحده كذئب منفرد بالطبع، بل إن خلفه تقف منظمات يمينية لها امتدادات عميقة بجماعات اليمين الأوروبي المتطرف والتي حرصت السلطات على تخفيف ارتباطاته بها، وجعل الموضوع ذا أبعاد داخلية فقط، رغم أن الفعل الإرهابي الذي اقترفه (برايفك) هو أكبر حدث إرهابي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية من حيث عدد الخسائر البشرية والمادية التي تسبب بها. لقد أطلق ذلك الفعل مواقف تضامنية واسعة في النرويج ضد الفكر اليميني المتطرف، فالضحايا من الشباب لم يكونوا جميعهم من الأجانب، بل إن الغالبية من النرويجيين الذين لم يتردد ذلك القناص الإرهابي الماكر بقتلهم بدم بارد!، لقد ترك ذلك الحدث الجلل تداعيات كبرى على السياسة النرويجية، ولا يزال النقاش النرويجي مستمرا حتى اللحظة فيما القاتل تم الحكم عليه بالمؤبد وهو يقضي عقوبته بأفضل سجن في العالم!، وقبل يومين تكرر في العاصمة البافارية (ميونيخ) نسخة أخرى ولكنها مصغرة من الحادث وفي نفس يوم وتوقيت انفجار أوسلو (22 يوليو) ولكن بعد خمسة أعوام وفي عز انطلاق أعمال الإرهاب في فرنسا وبلجيكا وغيرهما، فقد أقدم شاب ألماني من أصل إيراني على فتح نيران مسدسه على متسوقين في مركز تجاري وهو يصرخ بشعارات عنصرية!!، في البداية توقع الجميع أن يكون الحادث من تدبير (داعش) قبل أن تكشف المفاجأة بأن الفاعل ذئب منفرد بدوافع نفسية مريضة! وبكونه ألمانيا من أصول شرقية (إيرانية)! وبأن العملية عملية انهيار نفسي محض لا علاقة لها بداعش ولا بالأفعال الإرهابية التي شهدتها مؤخرا عدد من المدن الأوروبية!، وثمة رابط غريب بين تفجير أوسلو الإرهابي قبل خمسة أعوام وبين عملية ميونيخ وهو التوقيت الزمني والذي له دلالاته على صعيد تدبير وإدارة اليمين المتطرف الأوروبي لعمليات الإرهاب ذات الطبيعة العنصرية! ثمة حقيقة تقول بأن الإرهابيين اليمينيين العنصريين لا يتحركون لوحدهم بل تقف خلفهم منظمات النازية الجديدة المتحدة في الساحة الأوروبية والتي لها أجنداتها وتوقيتاتها وحساباتها. والإرهاب حالة حركية متنقلة وهو ليس حصريا بدين ومذهب معين، بقدر ما هو أداة قذرة تستعملها بعض الأطراف لتنفيذ متطلبات معينة. ويبدو الإرهاب اليميني الفالت من إطار المراقبة الاستخبارية الخطر الكامن في القارة الأوروبية والمتربص بالجميع.