19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم يكن مستغربا أو مُفاجئا أن يوجّه الادعاء العام التركي قبل بضعة أيام الاتهام لزعيم الكيان الموازي "فتح الله كولن" بالعمل على القيام بانقلاب في البلاد بإيعاز من أمريكا، واتهامه بالعمل تحت إمرة المخابرات الأمريكية. فبلا شك أن محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في تركيا كان من وراء تدبيرها والتخطيط لها ودعمها عدة دول أجنبية وعربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.فتاريخ أمريكا الأسود خير شاهد على مساهمتها وتدبيرها لعدة انقلابات وقعت في بعض دول العالم.وهذا ما يؤكده "جون بيركنز" وهو عميل سابق للاستخبارات الأمريكية، حيث ألّف كتابا سمّاه "اعترافات قاتل اقتصادي" - نُشر عام ٢٠٠٤ - بيّن فيه دور أمريكا في التآمر لإسقاط عدة رؤساء دول وقفوا مع شعوبهم، ورفضوا الوصاية الأمريكية. فذكر على سبيل المثال دور أمريكا في إسقاط حكم الرئيس الإيراني المنتخب "مصدق" عام ١٩٥٣، حيث كان يُنظر إليه كأملٍ للديمقراطية في الشرق الأوسط، ولأنه طالب بوجوب أن تدفع شركات النفط الأجنبية ثمنا أكبر بكثير للنفط الإيراني، من أجل تحقيق المصلحة للشعب الإيراني، دبرت أمريكا انقلابا تم فيه إسقاط مصدق ثم الإتيان بعميل لها وهو "الشاه".كما أسقطت أمريكا رئيس الأكوادور "جيم رالوس" عام ١٩٨١ بعد أن اختاره الشعب بعد انتخابات حقيقية، لكن سياسته التي كانت تدعو إلى أن الشعب أولى باستثمار ثروته من الدول الكبرى، جعل أمريكا عبر عملائها تحاول مساومته، فلما رفض قامت باغتياله من خلال إسقاط طائرته.وكان لرئيس بنما "عمر توريس" نفس المصير عندما رفض الرشوة التي قدمها له "جون بيركنز" - مؤلف الكتاب - كي يسير وفق سياسة الولايات المتحدة، فلما رفض تم إسقاط طائرته بقنبلة وُضعت في جهاز تسجيل سلّمه له أحد حراسه الشخصيين قبل صعوده للطائرة!! وفي عام ٢٠٠٢ حاولت أمريكا عبر انقلاب عسكري إسقاط الرئيس الفنزويلي "شافيز" لوقوفه ضد الأطماع الأمريكية، إلا أن ذكاء شافيز ومحبة الشعب له كانا سببا في إفشال الانقلاب.وأعتقد بأن أوضح صورة قريبة وحديثة لدور أمريكا في الانقلابات العسكرية هو ما حدث في مصر عام ٢٠١٣، عندما تم تدبير انقلاب عسكري ضد أول رئيس شرعي منتخب "د. مرسي" وتأييد أمريكا لذلك الانقلاب وصمتها عما أعقبه من حمامات الدم، والتي كان من أكثرها وحشية مجزرتي "رابعة" والنهضة.نعود لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والتي صمتت أمريكا في بداية وقوعها، وصرحت بعدها أنها تراقب الوضع عن كثب، فلما تأكدت من فشل الانقلاب، أخذت بالتصريح بأن أمريكا تدعم الديمقراطية في تركيا وترفض الانقلابات العسكرية! ولو أن الانقلاب نجح، لكان لها موقف مشابه من الانقلاب العسكري في مصر، وستلتزم الصمت عن الدماء التي ستراق لأن في ذلك تحقيقا لمصلحتها، والتي عادة ما تجعلها فوق كل اعتبارات أخلاقية أو إنسانية.نحمد الله تعالى أن الشعب التركي كان أذكى وأعقل من بعض الشعوب العربية، وقد أخذ درسا مما وقع في مصر، ولم يشأ أن يعيش مرارة الانقلابات العسكرية، والتي عانى منها الأتراك أنفسهم من انقلابات سابقة.ولعل الشعب التركي أعطى درسا للشعوب الأخرى بأن الحرية تستحق أن تبذل من أجلها الأرواح، وأن من يقبل بالانقلابات العسكرية لن يجني من بعدها إلا الدمار والخراب.