03 نوفمبر 2025
تسجيلما أكثر ما يعتني الإنسان بصورته الخَلْقية الخارجية ويهتم لها أشد الاهتمام، وذلك باعتنائه بجسده وزيّه وسمته ويحرص في كل أولئك على الظهور بمظهر الجمال والحسن، فيسعى جاهداً بمختلف الوسائل للوصول إلى الهيئة المتأنقة المتألقة، التي لا ترضيه هو فحسب، بل ترضي الناس أيضاً بحسب أذواقهم السائدة في المجتمع، كأنه في حالته هذه يرى نفسه بأعين كثيرة ،عينيّ نفسه، وأعين الناس الذين ينظرون إليه، فما أعظم تعبه!. ولا عيب ولا حرج في ذلك، إذ نحن مسلمون، أمرنا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة السلام، بالنظافة والطهارة، والتطيب والتزين على كل أحوالنا، وفي كل شؤوننا، في كثير من الآيات والأحاديث، لا يسع المقام لذكرها، ويكفي ذكر قول الله تعالى، الذي جاء فيه فعل الأمر، دليل الوجوب،إذ قال: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ...) الآية، وكعادة الشارع في وضع الحدود والضوابط للأمور في الدين قال في الآية: (ولا تسرفوا). ولكن ما حقيقة قيمة هذه الصورة، وما منزلتها عند الله؟ هل ستبقى ذات قيمة جسيمة عندك، مع علمك أنك ستصير إلى التراب؟ قال شوقي: وكل أخي عيشٍ وإن طال عيشهُ ترابٌ لعمْرُ الموت وابن ترابِ وهل ستبقى لك على ماهي عليه، كما تحب وتهوى؟ فحسن الوجوه حالٌ تحول، كما قال المتنبي أوليس الله تعالى، لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسامنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا،كما صح ذلك في الحديث الشريف. فآثر – رعاك الله – ما هو أبقى وأزكى، أعني صورتك الخُلقية الباطنية، التي سوف يبقى لك ثوابها في آخرتك، وتجعلك ممن يؤتى كتابه باليمين، فتساق بإعزاز وتشريف وتكريم إلى الجنة ، ألم يُسأل الرسول عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ،فأجاب تقوى الله وحسن الخلق، وأي درجة في الجنة يا ترى؟ أبشرك سوف تكون أقرب الناس مجلساً من النبي عليه الصلاة والسلام في الفردوس الأعلى فإنه قال:(إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، وهناك الكثير من الأحاديث الدالة على أجر وفضل ومنزلة حسن الخلق يجمعها الحديث الشريف وهو من جوامع الكلم (البر حسن الخلق). وقد تعددت آراء العلماء والحكماء في تعريف حسن الخلق باعتبار ذاته وماهيته، وتعريفه باعتبار جزئياته ومكوناته من صفات وأفعال، وسأضع يدك على تعريف ملمٍّ موجز، يبينه لك بوضوح وجلاء،" حسن الخلق قيامك بحقوق الآخرين". فإن ما فرضه الله من عبادات هي حقوق مؤداة إلى الخالق، والأخلاقيات حقوق مؤداة إلى المخلوقين، ولا يكتمل إيمان المرء إلا بهما، من خلالهما يطاع الله، وينال رضاه. وليس غرضي هنا الإطناب بذكر هذه الحقوق، إذ ما من أحد إلا ويعرفها، ولكن يتأتى الجهل والغفلة والنسيان فيها، من عدم الرجوع إلى قاعدة القياس التعامليّ، التي أرشدنا إليها نبينا فيما ورد عنه في الصحيح، قارناً إياها بالإيمان (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، التي أخذ منها العامة قولهم:(عامل الناس كما تحب أن يعاملوك) بل إن النبي دل على أسمى من درجة حب الخير للغير، ليرتقي المؤمن إلى درجة الرضا، قال عليه الصلاة والسلام :(لا يكون المؤمن مؤمناً ، حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه). والله إن عمل المسلمون بهذه القاعدة النورانية، المقتبسة من المشكاة النبوية، لصلح لهم دينهم ودنياهم، ولفازوا بجنة مولاهم في أخراهم. ختام القول ما أصدق قول الشاعر أبي الفتح البستي: يـا خادم الجسم كـم تشقى لـخدمته أتطلب الربح مما فيه خسرانُ أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ