12 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورة يوليو مرتكز حقيقي لثورة يناير

25 يوليو 2011

الليبراليون الجدد يسعون إلى إقصاء ثورة يوليو من مشهد يناير ثمة محاولة من قبل بعض الذين ينتمون إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير إلى نفي وإقصاء ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 التي فجرتها طليعة ثورية من القوات المسلحة المصرية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر واعتبارها كأن لم تكن وهي حالة من الشطط تلبست هؤلاء النفر الذين رأوا أن ثورة الخامس والعشرين من ينايرهي الثورة الوحيدة في تاريخ مصر الحديث وأن ما عداها لم يكن إلا مجرد انتفاضات أو انقلاب عسكري قاده رجال الجيش وذلك دون قراءة حقيقية لجوهر ثورة يوليو أو مردودها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليس على الواقع المصري فحسب وإنما على مجمل المشهد العربي والعالم الثالث بل أشير هنا إلى أن علم الثورات الذي يدرس في بعض جامعات الغرب بحسبانه علما مستقلا ما زال يدرس ثورة يوليو كنموذج على الثورات الحديثة التي أفضت إلى تغيير حقيقي وشامل في بنية المجتمع المصري. ولاشك أن ثمة حماسا بالغا لدى قطاعات عريضة لثورة الخامس والعشرين والتي هي ثورة الشعب المصري بكل شرائحه واتجاهاته والجميع يدرك مفصليتها في التاريخ المصري المعاصر بل إن مجلة التايم الأمريكية اعتبرتها واحدة من أهم الثورات في العالم على مدى القرون الأربعة المنصرمة بيد أن ذلك لا ينبغي بالضرورة أن يقود إلى وأد ثورة يوليو ومحوها من خارطة الواقع المصري بل يمكنني القول باطمئنان إنها شكلت المرتكز الرئيسي بأفكارها وتوجهاتها لثورة يناير وهو ما تجلى- ليس في رفع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بشوارع وميادين مصر خلال الثمانية عشر يوما التي أمضتها الجماهير منادية بسقوط مبارك- بل في الشعارات التي تبناها المتظاهرون والتي تمثلت في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتى كانت من أهم الأهداف التى سعت الى تحقيقها ثورة يوليو وإن تفاوتت المعطيات المحيطة بهدف تحقيق الديمقراطية والذي لا يمكن للمرء إلا أن يشير إلى أنه لم يشهد تفعيلا على الصعيد السياسي ربما بفعل حداثة التجرية الحزبية التي شهدتها المحروسة قبل يوليو واتسمت بأداء وفعالية هشة لم تتماس مع مطالب الشعب الذي عانى ثالوث الجهل والمرض والفقر فلم يتمكن من مقاربة الأطروحات الديمقراطية والتعددية الحقيقية والتي ظلت مرهونة بالنخبة الإقطاعية وكبار الملاك ورجال السياسة المصنوعين على عين المستعمر البريطاني صاحب القرار الحقيقي في مصر والقصر الملكي الضعيف مع الاحتلال والمتغرطس مع شعبه. لقد انطلقت ثورة يوليو من واقع شديد السوء وسعت إلى التخلص منه عبر وسائلها المتاحة معتمدة على القدرات الذاتية للشعب المصري واضعة في الاعتبار الكرامة الوطنية التي شهدت انسحاقا في حقب ما قبل يوليو بلا حدود حتى من قبل النخب السياسية التي كانت تتبادل السلطة فيما بينها عبر انتخابات مزورة في أغلبها فضلا عن ترد بالغ في الوضعية الاجتماعية للشعب ووقعت محاولات عديدة لتغييرها لكنها ظلت عصية على التجاوز إلى أن جاءت طليعة القوات المسلحة التي قادت أهم تحول في تاريخ مصر المعاصر في الثالث والعشرين من يوليو 1952 فشكل بتوجهاته واختراقاته الواسعة للواقع ثورة بكل المعايير بالرغم من أنه أطلق عليها في البداية وصف الحركة. وجاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد أن بلغ الظلم مداه في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك والذي لم يتمكن مرة واحدة من قراءة بوصلة الشارع فظل سادرا في غيه ومشروعه الخاص والذي نهض على تقزيم مصر وحصرها في نخبة سياسية زاوجت بين السلطة والثروة دون أي مقاربة حقيقية مع الأغلبية التي ظلت تعاني من القهر السياسي والأمني والاجتماعي بحيث أن تجليات المشهد المصري قبل الخامس والعشرين من يناير كانت متقاربة إلى حد كبير مع ملامح المشهد الذي كان سائدا في نهاية حقبة الأربعينيات وبداية حقبة الخمسينيات من القرن الفائت خاصة بعد التغييب القسري للطبقة المتوسطة والصعود السريع لفئات الطفيليين وسارقي الأموال والجهلة والقريبين من الحلقة الضيقة في الحكم ثم جاء مشروع توريث السلطة لنجل الرئيس السابق ليوسع قاعدة الاحتقان الشعبي وبدا أن المحروسة مجرد مشروع خاص لأسرة مبارك تتحكم فيها كما تشاء لا يعنيها تزايد قطاعات المرضى والفقراء والمناطق العشوائية وغياب الخدمات التي تقدمها الدولة وترك الأمر للقطاع الخاص في تدبير محكم وبمشاركة من رموز السلطة ليتحكم في خارطة هذه الخدمات والتي ظلت بمنأى عن قدرات أغلبية الشعب المصري إذن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكاد تكون متقاربة بين الثورتين وإن شهدت قدرا أوسع من التفاقم في حقبة مبارك الذي ظل يحكم الوطن دون أن يشعر بنبض الشعب فكرهه وأصر على خلعه. وثمة قاسم مشترك في الثورتين يتجلى في الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية ففي يوليو كانت هي مفجر الثورة وحاميتها وانحاز إليها الشعب الذي منحها تأييده فسعت إلى تحقيق أشواقه وأحلامه والتي تعرضت مسيرتها إلى بعض الإخفاقات من جراء مؤامرات الخارج الذي سكنته الهواجس حيال توجهات قادة يوليو التي سعت إلى تكريس استقلالية القرار الوطني والاعتماد على القدرة الذاتية لمصر وتبني التوجهات التحررية سواء في الداخل أو في الإقليم أو في العالم. وفي يناير فإن الشعب هو الذي فجر الثورة فانحازت إليه المؤسسة العسكرية معلنة تبنيها لخياراته ومؤكدة حمايتها له في وجه مطالب بإبادته والقضاء على المتظاهرين باستخدام القوة والعنف وبدون هذا الانحياز فإنه لم يكن بمقدور هذه الثورة أن تصمد حتى الآن والملاحظ أن محاولات إجهاضها واحتوائها ما زالت قائمة وهو ما يعني أنها في حاجة إلى إسناد المؤسسة العسكرية بالرغم من كل التفاعلات المحيطة بوقائع المرحلة الراهنة التي تشهد سعيا من قبل بعض الدوائر إلى الدخول في مواجهة مع هذه المؤسسة التي أدركت أنها في حاجة بدورها إلى الشعب حتى يكون بمقدورها وضع المسارات الصحيحة لتطبيق أهداف الثورة وتجاوز بعض ما يبدو أنه نوع من الإخفاق أو الفوضى في بعض الأحيان. إن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي بكل تأكيد مقاربة جادة وصادقة لتجديد ثورة الثالث والعشرين من يوليو خاصة أنها جاءت بعد ما يقرب من 59 عاما منذ انبثاقها في العام 1952 وهو ما يستوجب ضخ دماء جديدة في مساراتها ونفخ روح وثابة في جسدها الذي أنهكه النظام الذي نشأ في مصر بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 لتخطو بالأهداف التي سعت إلى تطبيقها ولم تكن مطلقا فعلا نقيضا لها. واللافت أن نفرا من الذين يسعون إلى إقصاء يوليو من مشهد يناير هم من الليبراليين الجدد وبعضهم قفز على ثورة يوليو من مظلة صنعت خارج الحدود ويحصل على أموال باتت تتدفق من دوائرمعروفة بكراهيتها التاريخية للمشروع الوطني القومي الذي جسدته ثورة يوليو فضلا عن ارتباطات تداخلت مع النظام السابق الذي عادى مشروع عبد الناصرعلى صعيد المحتوى وإن حاول التمسح بها على مستوى الشكل. إن ثورة الخامس والعشرين من يناير ليست خصما من رصيد ثورة الثالث والعشرين من يوليو التي مر على تفجيرها 59 عاما أمس الأول ولن تكون نقيضا لها على الإطلاق فهي حية في وجدان الشعب المصري بكل منجزها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. السطر الأخير: أستعيد بهجتي القديمة تتشكل قسمات كينونتي أنطلق في فضاءات الروح أيا سيدة الفؤاد والجروح بهاؤك عاد إليّ ارتويت من بئرك المشتهاة من حضورك الذي أقصى الغياب من فتنتك المطرزة بالحدائق عاد لي البحر والنهارات المسافرة سكنت جوارحي [email protected]