19 سبتمبر 2025

تسجيل

المثقف العربي.. ودوره الجديد

25 يوليو 2011

يتكرر الحديث عن دور المثقف العربي في ظل الثورات العربية، ويفرض هذا الموضوع نفسه بحدة أمام الخيبات الكبيرة التي تركتها مواقف بعض المثقفين العرب حيال الأحداث والتحولات السياسية التي تشهدها الساحة العربية، نتيجة هذه الثورات التي بدأت تجتاح عالمنا العربي لتقلب الكثير من الموازين، وتكتسح الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة، خاصة فيما يتعلق بالشباب العربي الذي كان يتهم بالسلبية والهامشية وعدم المبالاة، فإذا هو يقود ثورات التغيير الشامل، ويطيح بأنظمة شمولية ترسخت جذورها في التربة العربية لدرجة بدت للجميع انها غير قابلة للتغيير، وقد جاءت مواقف بعض المثقفين العرب في الاتجاه المعاكس، وكما هو معروف فإن بعض المثقفين شجب الحركات الشبابية ووقف ضدها، ولما انجلت الأمور واتضحت جدواها وشرعيتها عدل عن موقفه، وعاد للتأييد بعد الرفض، والمساندة بعد الشجب، لكن بعد أن سجل موقفا أسقطه من حسابات الأمجاد التي كان يعيشها ويتمتع بمزاياها، حتى وإن لم تكن تلك الأمجاد بدعم من الأنظمة الحاكمة، وهو موقف لا يمكن أن يغتفر في نظر بعض الدارسين، بينما نظر بعضهم الآخر لهذه الحالة التي يعيشها المثقف العربي على أنها لا تخرج عن السياق العام الذي ينتظم الحياة العربية بصفة عامة، وبالتالي فالمثقف هو جزء من هذا الحياة، عليه أن يعيشها بعد أن فقد القيادة التقليدية التي كان يتمتع بها في الماضي، وقد انتقلت هذه القيادة إلى وسائل المعرفة الإلكترونية، ولم يعد المثقف العربي هو مصدر المعرفة كما كان دوره التقليدي يحتم عليه. لكن المطلوب من المثقف العربي بعد أن فقد سلطته التقليدية، ليس الانكفاء على الذات، والبكاء على أطلال امجاده الغابرة، بل المشاركة الفعلية في حركة التغيير في المجتمع العربي بالأدوات الجديدة التي يفرضها واقع الحال، فلم تعد الأساليب التقليدية ذات جدوى أمام تيار الثورة المعلوماتية التي من رحمها خرجت الثورات الشعبية على أيدي شباب اليوم، بعد أن فجروا طاقات كامنة كانت مجهولة أو تم تجاهلها بقصد أو دون قصد، رغم ما تكتنزه من قدرات هائلة على التغيير. ولعل التجربة السابقة التي وظف فيها بعض أولئك المثقفين أقلامهم لخدمة السلطة، تعطيهم وتعطي غيرهم دروسا عملية في أن النظام، أي نظام، هو في حقيقته قابل للتغيير، وبالتالي فليس من مهمة المثقف أن يرتهن بذلك النظام حتى لا يسقط هو الآخر مع سقوط النظام، والأولى به ان يرتهن بالقضايا الوطنية والإنسانية التي تبقي على صورته نقية أمام الجميع، وبمواقفه الثابتة التي لا تتغير إلا لأسباب موضوعية بحته وليس لأسباب مصلحية مرتبطة بالسلطة ومبررة لأخطائها، بهذه المواقف الثابتة يظل المثقف قادرا على التأثير ليس في الحراك الثقافي فقط ولكن في الاجتماعي والسياسي أيضا. وأعود هنا للإشارة إلى وجوب اعتماد المثقف العربي في دوره الجديد على وسائل جديدة أيضا مستفيدا من الوسائل المعرفية الجديدة، وأدوات التواصل الاجتماعي التي توفرها شبكة المعلومات العالمية، وهي وسائل وأدوات أثبتت فاعليتها في التأثير على المتلقي الذي أصبح شغله الشاغل التعاطي مع الإنترنت والتواصل مع غيره في أي مكان من العالم، ودون حواجز مهما كان نوعها أو مصدرها، وربما حظي موقع ما على الإنترنت باهتمام الجمهور أكثر مما تحظى به أكثر الصحف انتشارا، وهذا يدعو للتفكير فيما يمكن ان يحققه أي موقع على الإنترنت من إنجاز تعجز عن تحقيقه إحدى الوسائل التقليدية، مهما بلغت طاقة العاملين فيها أو عددهم. المثقف العربي لا بد ان يدرك أن الثقافة لم تعد مقتصرة عليه، ولكنها أصبحت مشاعة، ولا يمكنه إلا أن يشارك فيها بعد أن فقد ميزة الاحتكار لها، هذا إذا اراد أن يكون له دور فاعل في الواقع العربي الراهن، ليسهم بوعي ومسئولية في صناعة هذا الواقع، متخذا من ماضية وحاضره وسيلة لاستشراف مستقبل أفضل لشعوب أرادت الحياة فاستجاب لها القدر. [email protected]