16 سبتمبر 2025
تسجيلتقدم معنا ما للصدقة من فضل عظيم، وأجر كريم، يظفر به المؤمن المتصدق، ولتعلمْ أن الأمر لا يقف عند ذلك فحسب، ولكن بالإضافة إليه، أنّ المالَ لا ينقص، الأمر الذي أقسم عليه النبي وهو الصادق المصدوق، الغنيّ عن القسم، لعل ذلك القسم يجعل هذا الأمر يصير يقيناً عند كل مسلم، إذ قال في الصحيح: (ثلاثٌ أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه- لا يأمرنا النبي بحفظ حديث إلا لأن فيه أمراً خطيرا وذا بال- ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، فاعفوا يعزَّكم الله، وما فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)، وذلك لأن الله يُخلف على المنفق، قال عز وجل: (وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلِفُه وهو خير الرازقين)، وقال أيضاً وقوله الحق: (وما تنفقوا من خيرٍ يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)، ولِما هو معروف من قواعد الدين، أن الجزاء من جنس العمل، مصداقاً لقول الله في الحديث القدسي الصحيح: ( يا بن آدم أَنفقْ أُنفِق عليك)، وما جاء في الحديث:(من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، ومن أصدق ما قال الشعراء، قول الحطيئة، الذي بذَّ به الشعراء طُرّا:من يفعلِ الخير لا يَعدمْ جوازيه لا يذهبُ العُرْف بين الله والناسِالعرف: المعروف، وجوازيه، جمع جاز، اسم فاعل من الفعل جزىنذكر شاهدين من شواهد ذلك، كغيضٍ من فَيْض ووَشَلٍ من بحر، الأول ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، وهو أن مسكيناً سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيفٌ واحدٌ، فقالت لجاريتها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه سواه، فقالت: أعطيه إياه! قالت: ففعلت، فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان، ما كان يهدي لنا، شاةً وكفنها- أي غطاها بأرغفة- فدعتني وقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك.والثاني، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، من قصةٍ كل العجب والدَهْش فيها، وهي قوله عليه الصلاة والسلام:(بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة يقول: اسقِ حديقة فلان، فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرّة- أرض ذات حجارة سوداء- فإذا شَرْجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبّع الماء، فإذا رجلٌ قائم في حديقته، يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك ؟ قال: فلان، للاسمِ الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمِك، فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثُلُثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه).