30 أكتوبر 2025
تسجيلفقد أمرنا الخالق القادر أن نلجأ إليه وحده دون سواه وأن ندعوه ليحمينا من شر الخلق ويقينا من أذى مخلوقاته ومن نفوسهم المظلمة، فالإنسان في شهر الخيرات يسعى بكل جهده وطاقته نحو البر، يطمع في رحمة ربه، ويخشى عذابه لعله يلحق بركب الصالحين، فهو يصوم لله ويتقرب إليه بالأعمال الصالحة ولكن ما نلاحظه اليوم وبات ملموسا تغيب الدعاء من الأفئدة والقلوب إلا من رحم الله، فما إن يذكر لك أحدهم أمرا فترد عليه أن عليك بالدعاء إلا وتجده عبس وزمجر وكأنك تثبط من همته وتميت أمره وقضيته فأين بات الدعاء منا، أليس هو العبادة، بل من أجلّ العبادات وبه يقاس قرب العبد من ربه وخضوعه له واستلامه لعظمته وإقراره بوحدانيته، فالمسلم المتدبر للتوجيهات الربانية واللفتات النبوية الشريفة لا يسعه إلا أن يكون أبر خلق الله بوالديه في كل حال وفي كل آن وهذا ما كان عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فمن شيمة ديننا الحنيف الوصية بالوالدين ومن الإحسان إليهما والإقبال عليهما بالقلب النابض بالحب واليد المبسوطة بالبذل وخاصة في أيام رمضان والتي يضاعف الله فيها الأجر، الحسنة بعشر، وتضاعف أضعافا كثيرة ويبرهما بالكلمة الطيبة والبسمة المفعمة بالود، وإن هذا البر لخليقة أصيلة من خلائق المسلمين وما ينبغي للمسلمين أن تغيب فيهم هذه الخليقة مهما تعقدت أمور الحياة ومهما طرأ عليها من تطور ومهما تجمع فوقها من ركام العادات المستورة.فهي من الخلائق التي تحفظهم من تحجر القلب وتقيهم من أنانية السلوك وتردهم إلى أصالتهم وإنسانيتهم ووفائهم إذا ما تردى غيرهم في حضيض الأثرة والجحود والكفران وهي فوق ذلك كله تفتح لهم أبواب الجنان, ومن أبرز صفات المسلم الحق البر بالوالدين والإحسان إليهما، وذلك لأن البر بالوالدين من أجل الأمور التي حض عليها الإسلام وأكدتها نصوصه القاطعة الحاسمة والمسلم الواعي المتمثل هذه النصوص الوفيرة التي استفاضت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها تدعو إلى البر بالوالدين وحسن مصاحبتهما، فلا يسعه إلا أن يكون البر بالوالدين سجية من ألزم سجاياه وخليقة من أبرز خلائقه، لقد رفع الإسلام البر بالوالدين إلى مرتبة لم تعرفها الإنسانية في غير هذا الدين، حيث جعل الإحسان إليهما والبر بهما في مرتبة تلي الإيمان بالله والعبودية له، فقد جاءت آيات الله متضافرة متعاقبة تضع مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله، وتعد الإحسان إليهما فضيلة إنسانية تلي فضيلة الإيمان بالله، يقول الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين أحسانا) النساء :36، ومن هنا كان المسلم الصادق الواعي أبر بوالديه من أي إنسان في الوجود، ويسمو القرآن الكريم في تصوير مكانة الوالدين وبسط السلوك الخلقي الواقي الذي يجب على المسلم أن يتتبعه في معاملة والديه إذا تنفس بهما أو بأحدهما العمر وبلغا مرحلة الهرم والشيخوخة والعجز، فيصل إلى غاية ما عرفتها الإنسانية من قبل أن تسطع شمس هذا الدين على الأرض، إنه الأمر الرباني الخالد للمسلم في صورة حتمية، لا فكاك منه ولا معدل عنه وإنه للربط المحكم بين عبادة الله وبر الوالدين، وفي ذلك رفع لقيمة الوالدين وإعلاء لشأنهما, فالمسلم صاحب القلب السليم والبصيرة المتفتحة، يتلقى دوما مثل الإيقاع الرباني الجميل في عدد من آيات الله البينات، فيمتثل لأمر ربه ويزداد لوالديه احتراما وبهما برا، فالمسلم الذي صاغه الإسلام بحق إنسان بار بوالديه يحيطهما بأجمل مظاهر الاحترام والتقدير، ويخفض لهما من جناحه وينتقي العبارات المهذبة اللطيفة في حديثه معهما، فلا يجري على لسانه معهما لفظ ناب أو عبارة خشنة جارحة، ولا يبدو منه في تعامله معهما فعل عار عن أدب التوقير والتكريم والإجلال مهما تكن الظروف والأحوال, فهو يعمل على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا.