12 سبتمبر 2025

تسجيل

لا عزاء للآملين.. انهارت مبادرة الوفاق السودانية الألف!!

25 يونيو 2014

نعم، انهارت مبادرة الرئيس البشير للوفاق التي تقدم بها للمعارضة السودانية في خطاب متلفز في السابع والعشرين من يناير الماضي. وهو الخطاب الذي أعطاه الإعلام الحكومي زخما أصمّ الأسماع. والذي كونت على أساسه لجانا ومنابر وآلية لإدارة ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة، كانت النقطة الأولى والأهم في خطاب الرئيس البشير هي نقطة إطلاق الحريات السياسية للأحزاب السودانية لكي تمارس نشاطها الحزبي كاملا داخل وخارج دورها دون أن يحق للشرطة وجهاز الأمن أن يتدخل لفض اجتماعاتها وندواتها ومسيراتها. إعادة هذا الحق الذي كفله الدستور السوداني لهذه الأحزاب قبل مصادرته منذ اليوم الأول لانقلاب الفريق البشير، كان الهدف من إعادة بناء الثقة بين أركان الطيف السياسي السوداني التي فقدت منذ اليوم الأول الذي شاهد فيه الشعب السوداني العميد أركان حرب (عمر حسن أحمد البشير) لأول مرة، وهو يتلو البيان الانقلابي الأول في صباح الجمعة الموافق الثلاثين من يونيو 1989. أما النقطة المهمة الثانية التي حوتها قرارات الرئيس البشير فكانت هي نقطة إطلاق الحريات الصحفية والإعلامية، وما رافقها من رفع الرقابة على الصحف، ومنع مصادرتها بعد الطبع أو قبله من قبل الأجهزة الحكومية وإيقاف الأجهزة الأمنية من التصدي للصحفيين والإعلاميين والكتاب بمنعهم من الكتابة والنشر في الصحف في داخل السودان. ورغم الترحاب الذي قوبل به خطاب الرئيس البشير بصورة عامة في الأوساط السياسية والصحفية والإعلامية، إلا أن نبرة الشك والتشكيك في مصداقية تلك القرارات ظلت كبيرة ومتواترة لدى الذين تساءلوا عن مدى قدرة قرارات الرئيس تلك على الصمود في وجه قوى الصقور في داخل النظام، التي ترى في تقديم أي تنازلات في مجال الحريات السياسية ردة تستوجب الاستتابة. الآن قطع الشك باليقين، فقد انهارت مبادرة الرئيس حين سقطت حكومته في الاختبار الأول عندما غلبها أن تحتمل بعض الانتقادات العادية التي واجهتها بها المعارضة في ندوات سياسية سلمية تحدثت عن قضايا فساد كبيرة سببت صدمة أكبر في عموم المجتمع السوداني. سقطت الحكومة في الاختبار الأول حين شاهد الجميع بعض العناصر الأمنية وهي تهرع إلى ندوة يتحدث فيها الأستاذ إبراهيم، رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض (ليس المؤتمر الوطني الحاكم من فضلك) وتنزعه من فوق منصة الخطابة بالقوة البدنية وتقتاده إلى مكاتبها للتحري! وعندما ضاق صدر الحكومة من انتقادات ساقها رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي، أمام الأنصار، ورئيس حزب الأمة، ضد مليشيا الجنجويد التي غير اسمها مؤخرا من قوات حرس الحدود إلى قوات التدخل السريع، فاقتادته إلى السجن رغم أنه المعارض الوحيد بين جميع قادة المعارضة الذي ما زال في صدره بقية من أمل في حكومة السيد البشير. الأمل في المبادرة المنهارة كان أكبر من كل الآمال التي عقدت على المبادرات العديدة التي سبقتها لسبب جوهري هو أنها جاءت في وقت بلغ فيه سيل المشاكل التي تعترض الحكومة الزبى. وبات واضحا أن مقدرة الحكومة على مواجهة تلك المشاكل بمفردها هي في الدرجة الصفرية. وظن الجميع أن هذه الظرفية وحدها كفيلة بتفتيح عيون النظام وحمله على أن يكون صادقا مع نفسه ومع معارضيه الذين قدروا ذلك التقدير يشعرون بأسف شديد، لقد انهارت مبادرة الرئيس البشير قبل أن تبدأ. فها هي المعارضة السياسية والمسلحة تلتئم من جديد ولا حديث عندها غير حديث المواجهة بالانتفاضة أو بغيرها. المراقبون لأوضاع السودان الحالية لا يكاد يبين أمامهم كيف يواجه السودان مشاكله المتفاقمة بهذه الجبهة الداخلية المتفجرة. هل يصدق المثل الشعبي الذي يقول "المكتولة لا تسمع الصايحة"!