26 أكتوبر 2025
تسجيلالقناعة هي الرضا بالنصيب وبكل ما كتبه الله لنا، وعدم النظر إلى ما عند غيرنا حتى لا نفقد ما نملك، فالقناعة هي الكنز العظيم الذي لا يمكن أن يفنى، وهي زينة الفقير وهي حدود للممكن دون معارضة للطموح، وهناك اثنان لا يصطحبان أبدا وهما الحسد والقناعة، وهي حجر الفلاسفة الذي يحول كل ما يلمسه إلى ذهب ومن لزمها زال فقره والعبد يصير حرا إذا قنع، والقنوع لا يعرف الخراب وهي خير من الضراعة، وقد تعني في بعض الأحيان الاكتفاء بالموجود وترك الشوق إلى المفقود وهي تفوق الغنى، وتوفر لصاحبها الوقت الكافي للتمتع بالحياة وهي نقص معين في الفضول، كما أنه من الوطنية بأن هذا البلد هو أعلى منزلة من جميع البلدان الأخرى لمجرد أنك ولدت فيها. إن القناعة بما قسم الله -تعالى-، والرضا بما قدره وقسمه، من النعم الجليلة التي يُنعم الله بها على أصحاب القلوب السليمة، والنفوس المطمئنة، وقد مدح الله المؤمنين السابقين بالقناعة والعفاف والرضا بالمقدور، فقال سبحانه: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ وقد دعا رسولنا الكريم بالفلاح والفوز لمن رزقه الله القناعة، فقال في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كَفَافًا، وقنَّعه الله بما آتاه)، وأوصى أبا هريرة -رضي الله عنه- وصية جامعة ثمينة، فقال له: (كن وَرِعًا تكن أعبد الناس، وكن قَنِعًا تكن أَشْكَرَ الناس).إن القناعة تعني أن يرضى العبد بما قسمه الله وأعطاه من النعم من صحة وعافية ومال ومسكن وزوجة، وأن يرى أنه أفضل من جميع خلق الله وأن يلهج لسانه دائمًا بالذكر والشكر للمُنعم فيقول الحمد لله الذي فضَّلني على كثير من عباده المؤمنين وألا يتسخط المقدور ويزدريَ نعمةَ الله ومنَّته عليه ويستصغرها، أو أن يرى أنه يستحق أكثر من ذلك "فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ".القناعة ركن أساسي من أركان السعادة، ولا يقف بناء السعادة في القلب إلا على هذا العمود. وهذه الصفة الخلقية والسمة التربوية توجد بنسب مختلفة وبمقاييس متعددة عند جميع الناس، لكن السعيد من أكثر من نسبتها في قلبه، وامتلأت بها نفسه، وتشرّبتها جوارحه. قد يتبادر إلى الذهن أن القناعة هي صفة خلقية حسنة وجميلة لكنها لها ارتباط وثيق بالإيمان، ولا يشعر المسلم بحلاوة الإيمان إلا إذا أحس بالقناعة والرضا، وقد دعا إليهما الإسلام في العديد من الآيات كما ستأتي، وحض عليه رسولنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بقوله "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"، وبالقناعة يصل المسلم للرضا والسعادة، والحياة الطيبة. وقد طبع الإنسان على حب الدنيا وما فيها، وليس السعيد هو الذي ينال كل ما يرغب فيه. إن الأسعد منه هو الذي يقنع بما عنده. قال سعد بن أبي وقاص لابنه: "يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة. فإن لم تكن قناعة. فليس يغنيك مال"، وما أجمل حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).