15 سبتمبر 2025
تسجيلوجوه متعبة يكسوها الإرهاق لثلاثين فلسطينيا محشورين في إحدى زوايا قرطاج.. وقرطاج هنا ليست الحضارة أو التاريخ، بل هو الاسم الذي يطلق على مطار العاصمة التونسية.. هؤلاء الثلاثون،4 نساء و4 أطفال ومسنان ومريضان و18 شابا، هربوا من البراميل المتفجرة التي يسقطها نظام الأسد الإرهابي على مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق إلى لبنان، فتونس في الطريق إلى بنغازي الليبية بحثا عن بصيص من أمل وبقايا حياة.من اليرموك إلى بنغازي، أي من الموت إلى الموت، ينتقل هؤلاء، وهل من مرارة أكثر من أي يكون خيار الفلسطيني يقع بين موتين، إما موت ببرميل متفجر، أو موت لا يعرف من أين يأتي؟على مدى أيام وأنا أتابع قضية هؤلاء الثلاثين فلسطينيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف، وآثرت التريث حتى يكتمل المشهد لدي، أو على الأقل أمتلك أكبر قدر من التفاصيل، وسابدأ بشهادة إحدى الفلسطينيات وهي نزهة كايد التي احتجزت ابنة عمها وزوجها في المطار مع "الممنوعين"، والتي كتبت على صفحتها على الفيسبوك التالي: "السفير الفلسطيني في تونس يطلب رسمياً من السلطات التونسية ترحيل المجموعة الموجودة في مطار قرطاج قسرياً على متن الطائرة المتجهة غداً إلى بيروت، علماً أن وزير الداخلية التونسية قد وافق على إدخالهم إلى تونس بعد ان تكفلهم السفارة الفلسطينية الأمر الذي رفضه السفير لأسباب مالية.. في هذه الأثناء أعلنت كامل المجموعة إضرابها عن الطعام تعبيراً عن رفضهم للترحيل القسري المخالف للقانون الدولي , نطالب جميع المنظمات والجهات المعنية التدخل لإيقاف عملية الترحيل".هذه الفلسطينية الغاضبة استطردت قائلة: قيمة الإنسان من قيمة دولته ورئيسها.. أحزابها ومسؤوليها وسفرائها...عندما يقتل الفلسطيني في مخيم اليرموك يجوع, يشرد..عندما يطرد ويمنع الفلسطيني من دخول جميع الدول العربية..عندما يعامل وكأنه إنسان من الدرجة العاشرة..هذا يعني أن رئيسنا....فصائلنا وقادتها وعناصرها... سفراءنا ومسؤولينا، ما هم إلا جرذان ومتطفلون يعتاشون على دم الشعب الفلسطيني...ما هم إلا كومة من الزبالة وجبل من فضلات البعير.. كَـمَـا تَـكُـونُـوا يُـولَّـى عَـلَـيْـكُـم، وإن لم نسقطهم كالذباب واحدا تلو الآخر. سيبقون يتطفلون على دماء شعبنا حتى يسقط آخر فلسطيني".يحق لنزهة كايد أن تغضب وتشتم قيادة لا تفعل شيئا لحماية أي فلسطيني في العالم، بل إن ما سمعته من بعض "المسؤولين الفلسطينيين" يبعث على الغثيان، فقد بت أؤمن تماما أن هذه القيادة متعفنة إلى أبعد الحدود، وأنها فاقدة للبوصلة والرسالة والقضية، وأن حجرا فلسطينيا واحدا لن يتحرر، طالما هؤلاء يتسلطون على الشعب الفلسطيني.ثلاثون فلسطينيا، حشروا في زاوية من مطار قرطاج، مطار الدولة التي اشعلت شرارة الربيع العربي، بت اسأل: هل الربيع العربي مجرد "حمل كاذب"، وهل تضيق الأرض التونسية بثلاثين فلسطينيا وتفتح "للسياح الإسرائيليين واليهود" من جميع أنحاء العالم؟صعبة هي الليالي التي قضاها هؤلاء الفلسطينيون في مطار تونس، تماما مثلما هي صعبة احوال الفلسطينيين في مطار القاهرة، وهي مطارات تحولت إلى جحيم بالنسبة للفلسطينيين، كما هو الحال في كل مطارات العرب، لأنه لا يليق بالفلسطيني إلا أن يهاجر إلى البرازيل وتشيلي وغيرها في أصقاع الأرض.روجوا أن هؤلاء الفلسطينيين، إرهابيون وسلفيون وجهادون ومتشددون، ولذلك فهم خطر ولابد من منعهم من الدخول أو الاستراحة من التعب أو الإرهاق أو المرض، وحتى لو تبول هذا المريض دما، أو احتاج هذا المريض إلى رعاية لأنه أجرى عملية جراحية.احتارت السلطات التونسية ماذا تفعل بهم، هل تسفرهم إلى تركيا، أم تعيدهم إلى لبنان، الذي يمنع وزير داخليته عودتهم بعد أن أصدر قرارا بعدم عودة كل من غادر لبنان ولديه وثيقة سفر سورية.ثلاثون فلسطينيا، بينهم فنان تشكيلي، وحملة شهادات وطلاب وبشر يبحثون عن حياة آمنة حتى في بنغازي، لكنهم وبدلا من ذلك تعرضوا للحجز في الزوايا وللتشويه، حتى من "مسؤولين" مهمتهم خدمة الشعب الفلسطيني