16 سبتمبر 2025
تسجيلإذا كنت طبيباً مختصاً في العين مثلاً، فإنك لتجد الآن تخصصاً أدق من ذلك، وهو القزحية مثلاً، فهذا عصر تخصص التخصص، لكن ماذا عن المختصين في العلوم الإنسانية في جامعاتنا؟! إن النفس البشرية تواقة دائماً وأبداً إلى ما هو أفضل وأجمل. وأدعي أن هذا ما تسعى إليه العلوم الإنسانية تحقيقاً لصورة مثلى تعيش في النفس. وهكذا ترى الناس في حياتهم اليومية من خلال أفعالهم وعاداتهم يُلبون هذه الحاجة ببناء المنازل على طراز معين، وصنع الألبسة الجديدة والطرقات والجسور وغيرها. فالعلوم الإنسانية ترمي إلى تجديد الحياة بأسرها، إيماناً بأن الإنسان حركة وتجدد. وإذا كان المصلحون والدعاة وغيرهم يلجأون إلى التفكير والبحث فيما هو أصلح، تدفعهم إلى ذلك آلامهم لمصائر الناس، فيحاولون قلب الحياة وفق ما في نفوسهم من صور مثلى ويتناولون الأنظمة والأعراف والتقاليد ومعتقدات الناس والقيم، فإن المبدعين في العلوم الإنسانية ينظمون إيقاع الرؤية ويعلمون الناس أسلوباً أقوى للنظر والسمع وتنسم وتذوق جمال الكون والخالق، أي أنهم يُعلمون الناس الحياة ذاتها وكيفية صياغة العالم من جديد. فلماذا أصبح نصيب هؤلاء كنصيب التحف الغالية والنادرة في خزائن المتاحف الوطنية؟! أما الذين بين ظهرانينا منهم، فإما أن ينزلوا في أول محطة تحت وطأة خط الخبز والعيش، وإما أن يصبحوا مجانين العصر، لأنهم في الأصل متخطون لعصرهم وزمانهم. فلِم لا نعمل على إدراج وعي جديد لإنساننا العصري في مناهجنا وحياتنا، بحيث يحتل خريجو العلوم الإنسانية مكانهم اللائق في سلم الوعي الاجتماعي؟! ولماذا نرى المدرس أو المبدع في الدول المتقدمة يعيش من تدريسه وإبداعه ويحتل أول السلم الاجتماعي وليس الطبيب أو المهندس بأفضل منه كما هو عندنا مادياً واجتماعياً ؟! فهل هذا حلم؟