10 سبتمبر 2025

تسجيل

البيئة الصحراوية (1 — 2)

25 مايو 2011

أتحدث في هذا المقال عن البيئة الصحراوية وكيفية تكيف الكائنات الحية في الصحراء وقبل أن نتحدث عن هذا الموضوع يجب أن نعرِّف الصحراء، الصحراء منطقة جرداء مناخها حار وجاف لا يهطل فيها إلا القليل من الأمطار لكن هذا لا يعني أنها أرض خراب وتغطي الصحاري حوالي سبع سطح الأرض، وبها أشهر مناطق العالم حرارة، الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، أكبر صحاري العالم، إذ تبلغ مساحتها نحو تسعة ملايين كيلو متر مربع، ومن الصحاري الواسعة الأخرى الصحراء الأسترالية وصحراء شبه الجزيرة العربية وصحراء جوبي في الصين ومنغوليا وصحراء كالاهاري في جنوب أفريقيا. تغطي الصحراء الرمال ما بين 10 % إلى 20 % في معظم الصحاري، أما النسبة الباقية فغالبها حصى وصخور وجبال وأنواع مختلفة من التربة. وإذا اعتبرنا أن الصحراء بقعة من الأرض لا مطر فيها على الإطلاق ولا رطوبة في الهواء فلن يكون فيها كائن حي ولكن نحن نطلق اسم صحراء على كل مكان معدل المطر فيه أقل من 125 مليمترا في السنة. وقد يكون ذلك مكانا لا تهطل فيه الأمطار لعدة سنوات ولكن قد تمطر من وقت إلى آخر أو نعني منطقة يصلها ضباب البحر في أيام من السنة فحيث يوجد الماء توجد حياة من نوع ما. وقد تبدو الصحاري مجافية للحياة والأحياء، لكن بعض الكائنات الجلدة من نبات وحيوان تتجاوز هذا الجفاء بما لها من قدرة على العيش بالقليل القليل من الماء، فالنباتات الصحراوية، كغيرها من النبت، لا تستغني عن الماء لتنمو وتتكاثر. وهي تجابه ندرة الماء بمتكيفات متباينة. فبعض هذه النباتات ذو جذور طويلة جداً تمتد إلى تربة الأعماق. وبعضها الآخر تنتشر جذوره في شبكة على مقربة من السطح بحيث تتلقى القدر الأقصى من الماء حين تمطر، وتختزن بعض النباتات الماء في أجزاء عصارية منها، كما في سوق الصباريات وأبصال الزنبقيات. وفي فترات احتباس المطر تتجاوز هذه النباتات الجفاف باستخدام هذا المخزون، وتنقسم نباتات الصحاري إجمالاً إلى نوعين: المعمرة والسريعة الزوال. فالمعمرة تدوم من سنة إلى أخرى — وهي مكيفة للحفاظ على الرطوبة بسيقانها الرطبة وأوراقها الشمعية وغالباً ما تكون مجهزة بأشواك واقية ترد حيوانات الرعي عنها. أما السريعة الزوال فتنمو بين فينة وأخرى تطول أو تقصر. وتستطيع بزور هذه النباتات البقاء كامنة في التربة عدة سنوات أحياناً، وحين يهطل المطر تنبعث إلى الحياة، فتنمو وتزهر وتبزر قبل أن تجف التربة — وقد يتم لها ذلك في أقل من ثلاثة أسابيع! فلا تستغربن أن ترى بساطاً من الخضرة في بطاح صحراوية كانت قبل أسبوع فقط جرداء غبراء قاحلة والحيوانات الصحراوية أيضاً لا غنى لها عن الماء. ويعني هذا بالضرورة أنها في حاجة إلى شرب الماء، فالكثير منها يحصل على الرطوبة اللازمة له في طعامه، والحيوانات الصحراوية مكيفة لمجابهة ندرة الماء في الصحاري. فهي جميعها تحتفظ بالقدر الأقصى منه في أجسادها. وهي مهيأة في غالبيتها بطبقة تمنع التبخر، كما في الحشرات والعنكبوتيات. كذلك فإن جلود الأفاعي والعظايا الثخينة الحرشفية تساعدها في الاحتفاظ برطوبتها. اما بالنسبة لنباتات الصحراء القليلة لها جذور عميقة أو واسعة الانتشار فالصبار ينمو متفرقا إلا أن جذور النباتات المختلفة من الصبار في منافسة مستمرة على التربة وتفرز مواد كيماوية تعيق نمو جذور نباتات الصبار الأخرى في محاولة للمحافظة على القليل من الرطوبة وفي أكثر الأحيان يخزن الصبار الماء في جذعه الإسفنجي الغليظ ذي القشرة المقاومة للماء والتبخر والأوراق لدى الصبار عبارة عن إبر تبعد الحيوانات التي قد تقترب لتأخذ ماء النبتة والجذع الأخضر يقوم بعملية التخليق الضوئي وإذا أمطرت حملت النبتة زهورا لا تعمر طويلا. لكن الوسيلة الأنجح في تجنب فقد الرطوبة تبقى في عدم التعرض للشمس. وهكذا فإن الكثير من حيوانات الصحاري ليلي النشاط (فلا يظهر نهاراً). وهنالك أنواع تتجاوز فترات الجفاف بالإسبات. ومن الحلازين ما تجاوزت فترة إسباته ثماني سنوات وتتأقلم الحيوانات الصحراوية الصغيرة بتدبر بيئة مناخية مواتية، كأن تختبئ تحت صخر أو تنحجر في وكر تنعم فيه بجوبة من الهواء البارد الرطب. والجربوع، وهو من القوارض الصحراوية الصغيرة، خير مثال على هذه الحيوانات. فهو يرقد نهاراً في جحره حيث درجة الحرارة لا تتجاوز 33 درجة مئوية (وهي أقل من درجة حرارة السطح بكثير). وهو إلى ذلك يسد جحره بسداد ترابي فيحفظ رطوبة ما يزفره من الهواء. أضف إلى ذلك أن الحبوب الجافة التي يختزنها اليربوع عادة في جحره تمتص الجزء الأكبر من هذه الرطوبة — والجربوع تستغني عن الماء كليا فجسمها يصنع ما يلزمه من الرطوبة من هضم البذور والجذور التي يقتات بها وهذا يتطلب تغييرات معقدة في التركيب الكيماوي للجسم. وهو حين يأكلها يفيد أيضاً من ذلك الماء الذي امتصته. اما عن الجمل، الذي يسمونه أحياناً سفينة الصحراء، يستطيع السير أياماً عديدة دونما طعام ولا ماء. وإذا طالت نوبة الجفاف جداً، فإن الجمل يستهلك الشحم المختزن في سنامه، والجمل بطبيعته مهيأ للاحتفاظ بالرطوبة، فهو لا يعرق إلا إذا تجاوزت درجة حرارة جسمه 41 درجة مئوية — أي تسع درجات فوق معدلها العادي. وبالمقارنة، فإن الإنسان يصبح في شديد الخطر إن ارتفعت درجة حرارته عن العادي بثلاث درجات فقط.