13 سبتمبر 2025
تسجيلقال لي :كنت في الحج ..منذ عدة اعوام، الشوق المفرط الى أداء الفريضة وزيارة مسجد الحبيب ومثواه جعلني أنتعل حذائي من الدوحة دون أن التفت إلى الوراء لا يقودني سوى الوجد ونداء خفي ..بعد ان ختمنا المناسك ولينا وجوهنا شطر المدينة ..كنت وحدي ليس معي مرافق او صديق او حتى “معرفة” عابرة ،معظم وقتي كنت اقضيه وحيدا بين الحرم والفندق ومجرد أن أنال قسطي من الراحة كنت اخرج من الغرفة دون ان التفت الى من كان معي بحملة الحج في كثير او قليل، متنقلا بين كل تلك الاماكن والاسماء التي كانت تشنف اذناي منذ ان كنت طفلا غريرا .. كنت اسمع جدي رحمه الله وهو يحكي حكايا اشبه برحلات في عالم الخيال ومنها رحلاته المتكررة الى مكة والمدينة .. نعم ..وقتي كله كان مفتوحا ولكل الاحتمالات ،ظمأ غريب كان يسيطرعلي وحالة من الترقب كانت تمسك بتلابيبي وتحملني الى اماكن لم اكن احلم بها.. مرة وجدت نفسي على احد جبال مكة المحيطة بالحرم الشريف لم يكن يبدو منه سوى بعض مناراته ..فاذا بي وجها لوجه مع يماني معمر يملك بقالة صغيرة لا يبيع فيها سوى اشياء قليلة، زبائنه لم يكونو سوى اطفال استضافني على كأس من الشاي فكان لقاءه اشبه بالخيال اعادتني احاديثه الى ازمنة بعيدة واعادني طفلا .. في المدينة لم يكن لي قرار ،اشد ما كان يؤلمني اغلاق ابواب الحرم ليلا فكنت لا اجد مناصا من افتراش الارض رغم برودة الهواء وأرضيات الرخام المتثلجة ،يوما دخلت مطعما وطلبت طعاما فاتوا لي بصينية ارز ودجاج اثناء إنهماكي بالأكل تفاجئت بأعجمي يمد يده يود أن يشاركني الطعام فضممت أطراف أصابع يمناي الى بعضها ملمحا إليه صبرا ..لم يخطر ببالي انه سيغادر المكان بهذه السرعة ..فتصرفه في حد ذاته كان غير مقبول ..وغير معتاد بالنسبة إلي..ان لم يكن مرفوضا ..ماكان من حرج ان اطلب له ما يسد جوعه ولكنه غاب في سرعة البرق حزينا مكسور الخاطر ،حتى خيل الي انه كان من الجن خرجت أبحث عنه بلا جدوى، توارى عن الانظار دون أن يترك اثرا ،لم أدر ماذا أفعل ،تركت المكان وما زلت أبحث عن ذلك الفقير كلما ذهبت إلى مكة والمدينه،او اية مدينة جديدة تسنح لي الفرصة دخولها في شرق الارض او غربها ..وجهه مازال ماثلا امامي ...