11 سبتمبر 2025
تسجيلأحب ما تفعله بعض دور النشر من ندوات أو مؤتمرات، لا يعني هذا أني لا أحب ما تفعله وزارة الثقافة، الفارق أن ما تفعله وزارة الثقافة هو دورها، أما ما تفعله بعض دور النشر فهو إضافة لدورها في طباعة وترويج الكتب، ويؤكد أن المجتمع الأهلي يمكن أن يقوم بدور رائع في الثقافة. في السنوات الأخيرة أجلت وزارة الثقافة المصرية مؤتمرين شديدي الأهمية كانا يقامان كل عام بالتناوب أحدهما عن الرواية العربية والثاني عن الشعر العربي، والحجة أن الوزارة لا تملك الميزانية الكافية. طبعا أصدق الحجة، لكن اندهش من مجلس الوزراء الذي لا شك يعرف ذلك ولا يزيد من ميزانية الوزارة حتى لا تفقد علامة من أهم علاماتها. سأبتعد عن الأمر وأتحدث عن هذا الملتقى التي أقامته دار نشر صفصافة لصاحبها الكاتب محمد البعلي. هو الملتقى السادس. أهميته ليست من كونه مؤتمرا ثقافيا فقط، لكن من حضور لعدد من الكتاب من أوروبا وأمريكا، فضلا عن العالم العربي. عنوان الملتقى هذا العام هو المدينة والذاكرة، تشرفت باختياري رئيسا شرفيا له، وكما هو واضح من المصطلح فالإعداد واختيار المشاركين هو جهد دار نشر صفصافة. اختاروا كتابا من الخارج مثل أنريكي شنايدر من البرازيل وكريستين أوتين من هولندا وسالار أبدو من الولايات المتحدة وإياكي كابي من جورجيا، ومن العالم العربي أسماء مهمة مثل إبراهيم نصر الله وابتسام أبو سعدة وزينات أبو شاويش ومحمود جودة والأربعة فلسطينيين، ومثل فهد الهندال من الكويت ورشا عمران من سوريا. من مصر أسماء رائعة كثيرة من أدباء وشعراء ونقاد ومترجمين، والظريف أن الكاتبات والشاعرات كن الأكثر عددا. ما أعجبني أنه في نفس التوقيت أقامت مكتبة تنمية مؤتمرا ثقافيا بالاتفاق مع الجامعة الأمريكية. البعض تصور أن هذا سيكون له أثر سلبي على كل منهما، لكن الصور على السوشيال ميديا توضح الزحام والإقبال الرائع على الاثنين، رغم أن مهرجان تنمية بالتعاون مع الجامعة الأمريكية التي في ميدان التحرير، أي قريب من الكثيرين، وملتقى صفصافة في منطقة الحسين بقبة الغوري وهي الأبعد. قبة الغوري تم افتتاحها أيام الوزير الفنان فاروق حسني، وهي من آثار السلطان قانصوة الغوري أحد سلاطين المماليك وترعاها الهيئة العامة لقصور الثقافة، التابعة لوزارة الثقافة نفسها أحد الرعاة للملتقى، ودائما تقدم له أحد القصور القديمة في منطقة الحسين. مجمل الحوار كان عن المدينة والذاكرة وكل من تحدث تقريبا كان حديثه عن كيف ألهمته المدينة عمله الروائي. المدن على طول التاريخ ملهمة للكتاب، ويزيد إلهامها حين تتعرض لما يمكن أن يشوهها ويضيع علاماتها، أو حين تصبح المدينة القديمة مثل حلم ضائع. كانت هذه مداخلتي عن الإسكندرية ملهمتي في رواياتي وعن القاهرة التي عشت فيها بدءا من السبعينيات وألهمتني بدورها. كيف كان الاتساع والحدائق ووجود السينمات والمسارح والجاليات الأجنبية حتى نهاية الخمسينيات يجعل من الإسكندرية أو القاهرة مدينة عالمية. تحملت الطريق من بيتي البعيد إلى المكان، وحاولت أن أغمض عيني عما جرى في القاهرة من تشوهات، وخاصة في مناطق مثل القلعة أو شوارع مثل شارع محمد علي أو شارع الأزهر الذي كان لابد من العبور منه وفقا للـ» جي بي إس « وكان هذا أصعب ما في الطريق أو الملتقى. قلت لنفسي لأرتاح إن المشكلة في الـ» جي بي إس « قليل الذوق، لكن الطرق جميلة رغم معرفتي بما جرى ويجري من تشوهات بالقاهرة، وبصفة خاصة في أحيائها القديمة وحتى مقابرها.