16 سبتمبر 2025
تسجيلسوف يتحدد مصير السياسات الفرنسية وربما الأوروبية يوم السادس من مايو القادم موعد الحسم في انتخاب رئيس الجمهورية ومستأجر قصر الإيليزيه لمدة خمس سنوات. فأهمية باريس ضمن الاتحاد الأوروبي بالغة وحاسمة بفضل الدور التاريخي والإستراتيجي والاقتصادي لفرنسا صلب هذا الاتحاد. ففرنسا مع ألمانيا تعتبران القاطرتين القائدتين للقارة العجوز في تكتلات العالم. إلا أن انتخابات 2012 سجلت عناصر جديدة في السباق من أجل الرئاسة تمثلت في توظيف قضايا العرب والمسلمين في المباراة الرئاسية وذلك من زوايا عديدة أبرزها التلويح بملف الهجرة المغاربية إلى فرنسا شرعية كانت أو سرية وبملف الإرهاب المتوقع من الحركات المتطرفة المرتدية زي الدين وبملف قضية فلسطين وبملف الحضور العسكري الفرنسي في أفغانستان وملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وأخيرا بملف الدور الفرنسي العسكري والدبلوماسي في أزمة ليبيا وأزمة سوريا. ويقول قائل إن كل الصراعات الانتخابية الفرنسية منذ عقود استعملت هذه القضايا وهو صحيح لكن هذه السنة تميزت بنوعية جديدة وغير مسبوقة من إثارة النعرة العنصرية ضد العرب والمسلمين دون أي رد فعل من سلطات الدول العربية والمسلمة ودون تعبئة حقيقية للرأي العام العربي والمسلم في فرنسا والغرب عموما ضد هذه الأكاذيب التي يروج لها بعض المرشحين لخدمة أغراضهم السياسية والانتخابية ويكون العرب بجالياتهم المتواجدة في فرنسا والغرب أول ضحاياها في المستقبل مع ما سينجر على أبنائهم من الجيل الثالث من تداعيات الميز العنصري وربما الظلم المؤسسي بإلغاء فعلي لحق الشغل والسكن والترقي الاجتماعي وحق المواطنة في مجتمعات عادت بالغريزة إلى سلوك عدواني واستعماري متجدد لا يليق بدولة الحق والقانون وسيادة العدالة والمساواة. وحين أقول إن هذه النعرة غير مسبوقة فلأسباب موضوعية أهمها حلول الربيع العربي في الساحل الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط وحلول الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة في الساحل الشمالي لهذا البحر. فتميزت أواخر العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين بمواجهة جديدة ذات طابع سياسي وحضاري طريف بين دول عربية مسلمة بدأت تراجع مصادرها الثقافية وترفض منزلة التبعية والإذلال التي ارتضاها لها حكامها السابقون ثم تجرأت على التخطيط لعلاقات دولية أعدل وأنصف بينها وبين الدول المستكبرة التي استعبدتها عقودا طويلة من التاريخ وبين دول أوروبية استيقظت عام 2008 على واقع صعب ومرير من التذيل للنظام النقدي العالمي (بريتن وودس) الذي تشكل منظومة (وول ستريت) قلبه النابض الغاشم. فأعلنت دول أوروبية عديدة عن إفلاسها ورغم تضامنها فبعضها يرفض تحمل أخطاء البعض الآخر. وأصبح الطامحون إلى الحكم فيها يعلقون مشاكلهم المزمنة على شماعات الهجرة ومخاطر الإسلام السياسي وحتى أشباح الخلافة! ففي فرنسا ذاتها تزامن تفاقم العنصرية الشعبوية اليومية مع تفاقم البطالة وانحسار القدرة الشرائية لدى الأسر الفرنسية كما تزامن كل هذا مع عمليات إرهابية غريبة من شاب فرنسي ذي أصول مغاربية (محمد مراح) عائد من أفغانستان يشاع أنه كان عميلا للمخابرات الفرنسية على خلفية تصريح لمدير سابق لهذه المخابرات! وقد شرع الرئيس الراهن ساركوزي في عملية انتزاع أصوات اليمين المتطرف لفائدته حتى يناطح المرشح الاشتراكي الذي تؤهله معطيات عديدة للفوز (فرنسوا هولند) وتبقى رئيسة الحزب اليميني العنصري (مارين لوبان) محافظة على النسبة التقليدية الدائمة لناخبيها وهي حوالي 15%. أما الغريب في هذه الانتخابات فهو تجاهل العرب لأحد المرشحين وهو الأستاذ جاك شوميناد (الديغولي اليساري) وهو سياسي فرنسي من أخلص أصدقائي وأصدقاء القضية الفلسطينية والعربية منذ ثلث قرن اشترك معي في السابق في عضوية اللجنة العالمية للدفاع عن مروان البرغوثي (2004) وبعدها كان عضوا معي ومع الدكتور منصف المرزوقي في اللجنة العالمية للدفاع عن البروفسور منصف بن سالم (2005) وسبق أن تحمل معي الأمانة العامة للأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس وكافح وما يزال بصدق وجرأة ضد المظالم الصهيونية على مدى أربعين عاما وقد توصل ليكون ضمن المرشحين العشرة الكبار الذين حصلوا على الـ500 توقيع تؤهله للترشح للرئاسة الفرنسية وهو يكرر طروحاته ضد العنصرية من أجل أخلاق سياسية ونظام نقدي عالمي أعدل وأنصف. وهو ككل من يساند العرب والمسلمين من زعماء الغرب يصرخ في واد غير ذي زرع دون أن يسمعه أولائك الذين يدافع عنهم أي العرب سامحنا الله وغفر لنا غفلتنا الحضارية الوراثية.