14 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في جولة شرف الخليجية

25 أبريل 2011

تعكس جولة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري لثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي - والتي تبدأ اليوم بزيارة الرياض تليها الكويت والدوحة - اتساع حالة الاهتمام بالدائرة العربية لثورة الخامس والعشرين من يناير والتي لم تكن غائبة عن نبض الثوار بميدان التحرير وإن كانت على استحياء بفعل التركيز على القضايا الوطنية التي كانت مهيمنة على المشهد الداخلي إلى جانب الدوائر الأخرى المهمة للسياسة الخارجية المصرية وهي الدائرة الإفريقية والدائرة الإسلامية، ففور تسلم الدكتور شرف مهام منصبه رئيسا لحكومة الثورة متكئا على شرعية ميدان التحرير سارع على الفور إلى رسم ملامح توجهات مصر الخارجية بعون من وزير خارجيته القادم من المدرسة الرصينة والوطنية للدبلوماسية المصرية -الدكتور نبيل العربي- والتي لم تقف عند حد الطرح النظري وإنما تبلورت في خطوات عملية سريعة تجلت في قيامه بزيارة كل من الخرطوم وجوبا (شمال وجنوب السودان) على رأس وفد وزاري رفيع المستوى خلال الشهر الماضي رغم أنه كان مقررا أن يقوم بهذه الزيارة وزير الخارجية ثم جاء بعد ذلك الإعلان عن جولته الخليجية والتي كانت "الشرق" أول من كشف النقاب عنها في تقرير لكاتب هذه السطور من القاهرة قبل نحو أسبوعين وقبل أيام أعلن في القاهرة عن جولة إفريقية لشرف منتصف مايو المقبل بصحبة عدد من الوزراء المعنيين لإعادة الاعتبار لعلاقات القاهرة مع القارة السمراء والتي شهدت تراجعا خلال العقود الأربعة الأخيرة، ولاشك أن جولة شرف الخليجية تنطوي على أبعاد مهمة سواء من حيث التوقيت أو جدول أعمالها المتقاطع مع معطيات سياسية وأمنية واقتصادية تعكس الرقم الصعب الذي تحتله منطقة الخليج العربي في المنظور الاستراتيجي للأمن القومي لمصر. فثمة إدراك خليجي لأهمية المحروسة في محيطها العربي وفي القلب منه المنطقة التي تضم دول مجلس التعاون الست والتي ظلت تتطلع على الدوام إلى استعادة القاهرة لدورها المحوري كدولة مركزية في الإقليم العربي لإتاحة قدر من التوازن مع أدوار أطراف إقليمية أخرى تتعامل مع منطقة الخليج بحسبانها امتدادا أو ظهيرا لها أو باعتبارها مجالا حيويا لمصالحها بينما يتسم الدور المصري تجاه المنطقة بأنه مجرد من الطابع المنفعي وإن كان لا يغيب عنه البعد الخاص بالمصالح المشتركة. وشخصيا كنت مراقبا لملف العلاقات المصرية الخليجية على مدى العقدين المنصرمين خلال فترة عملي بقطر وكنت أرصد من منظوري المهني والفكري مدى حاجة دول المنطقة إلى فعالية وكفاءة الدور المصري وأذكر أن غير مسؤول خليجي كان يلفت انتباهي إلى التداعيات السلبية لغياب هذا الدور وبشكل خاص على وضعية الترتيبات الأمنية في المنطقة والتي اعتمدت خاصة في العقد الأخير للقرن الفائت على العامل الدولي من خلال إبرام اتفاقيات دفاعية وأمنية مع الدول الكبرى في العالم وذلك نتيجة لسياسة الانكفاء على الداخل التي انتهجها النظام في مصر منذ السادات والتي تكرست في زمن مبارك على نحو اقترب من حالة التبعية في كثير من الأحيان باستثناء انضمام القوات المصرية إلى التحالف الدولي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في العام 1991 والتي لا يمكن للمرء أن يخرجها من سياقها القومي، وأظن أن الدور المصري أو بالأحرى الحراك المصري تجاه الخليج في مرحلة ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سيأخذ منحى يعمق من الترابط القومي بين مصر ودول مجلس التعاون الست ولعل الزيارات المتبادلة بين القاهرة وعدد من العواصم الخليجية خلال الشهرين المنصرمين تجسد هذه الحقيقة فقد زار الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي القاهرة مرتين كما زارها الشيخ محمد صباح السالم وزير الخارجية الكويتي مرة وزار الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء المصري الكويت مرتين بينما زار الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية المصري الرياض مرة واحدة وهو ما ينبه إلى الإدراك المتبادل لحاجة كل طرف للآخر. في المقابل تبدو الحاجة المصرية إلى خليج آمن ومستقر قوية وهو ما تجلى في تأكيد وزير الخارجية الدكتور نبيل العربي في تصريح رسمي له خلال الشهر الماضي على أن منطقة الخليج العربي تمثل عمقاً استراتيجياً أساسياً للأمن القومي المصـري، وأن الحفاظ على الاستقرار في الخليج يمثل التزاماً قومياً وضرورة إستراتيجية في آن واحد مشددا على أن الالتزام بوحدة واستقرار وسلامة أراضي كل دولة من دول الخليج، هو من أهم ثوابت السياسة المصـرية، التي تعتبر أمن واستقرار وعروبة دول الخليج العربي خطوط حمراء لا تقبل مصـر المساس بها، ونظر إلى هذا التصريح باعتباره ردا على الذين انتقدوا عن جهل أو ربما سعيا لمحاولة الوقيعة بين مصر ودول منظومة مجلس التعاون تصريحات العربي التي تحدث فيها عن تجنب التعامل مع إيران الدولة الإسلامية الجارة والمرتبطة بدول المنطقة باعتبارات التاريخ والجغرافيا بحسبانها دولة عدو مثلما كان يحدث في زمن مبارك خاصة في العقد وحسب قناعتي فإن تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران من شأنه أن يصب إيجابيا في منحى الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج والذي يشهد حالة من الشد والجذب منذ تفجر الأوضاع الداخلية في البحرين خلال شهر فبراير الماضي ثم مع دخول قوات درع الجزيرة التابعة لمنظومة مجلس التعاون إلى المملكة للإسهام في فرض الاستقرار بعد فترة من الاضطرابات الداخلية فيها والتي اتهمت إيران بتأجيجها وأظن أن هذا الملف بالذات سيكون ضمن ملفات جولة شرف الخليجية فالقاهرة معنية بالتأكيد على أن أي تطور في علاقاتها مع طهران لن يكون خصما من دورها الطبيعي في الوقوف إلى جانب دول مجلس التعاون الست حماية لأمنها واستقرارها وعروبتها وهي ثوابت لا يمكن تجاوزها وفق المنظور المصري الاستراتيجي. بالطبع فإن حاجة مصر إلى تعميق قاعدة الاستثمارات الخليجية فيها تشكل واحدة من أهم أهداف الجولة ومن ثم فإن شرف سيقدم تطمينات حكومة الثورة لقطاع الأعمال والاستثمار الخليجي فيما يتعلق بحماية الاستثمارات القائمة حالية خصوصا في ظل الجدل الذي طال مشروع الأمير السعودي الوليد بن طلال بمنطقة توشكى جنوب مصر والذي سعى طرفاه إلى التوصل إلى حل قانوني يحمي مصالحهما معا وما سيطرحه شرف ورفاقه من الوزراء خلال الجولة سيركز بدون شك على أهمية الالتزام بقواعد الشفافية أساسا لأي مشروع استثماري على نحو لا ينطوي على أي تجاوز أو استثناء يخل بالمعايير الموضوعية والقانونية والتي تضعه موضع الشك ولاشك أن هناك العديد من المشروعات الخليجية الناجحة القائمة منذ سنوات وفق هذه المحددات ولكن ثمة مشروعات وقعت فريسة لمنظومة الفساد التي كانت سائدة في القطاعات الاستثمارية والاقتصادية والتي تسعى حكومة الثورة إلى استئصالها في الوقت الحالي وهذا ما يهم رجال الأعمال الخليجيين. وألفت هذا السياق عندما سألت يوما أحد المستثمرين القطريين الكبار والذي كان يفتح لي قلبه: لماذا وجهت 600مليون دولار لمشروعات استثمارية بدولة مغاربية بينما لم توجهها لمصر؟ فأجابني قائلا: إن المعضلة تكمن في منظومة الفساد التي تبدأ منذ اللحظة التي يتقدم فيها المستثمر العربي بعرض مشروعه فضلا عن شراسة البيروقراطية المصرية صحيح أنه مضى على هذا الكلام أكثر من عقد لكنه ظل عقدة تعوق دون تدفق الاستثمارات العربية التي كانت محملة بأشواقها للمحروسة إلا أن رجال مبارك الذين كانوا يمسكون بالملفات الاقتصادية أهدروا كل رغبة وأجهضوا كل شوق بالرغم مما كان يطرحونه من تيسيرات ارتكزت على الشكل دون المحتوى. إن رياحا ثورية هبت على مصر برؤية مغايرة تسعى إلى بث العافية في الاقتصاد الوطني اعتمادا على القدرات الذاتية ولكنها في حاجة بالتأكيد على عون الأشقاء وهو ما تسعى إليه جولة شرف الخليجية التي نتمنى لها أن تشكل بداية فتح جديد في علاقات مصر مع دول مجلس التعاون ثم مع باقي دول الوطن العربي الكبير. السطر الأخير: تلقيت نبأ رحيل الكاتبة ثريا نافع يوم الخميس الماضي في رسالة هاتفية من الدوحة فأصابني حزن عظيم لكني ترحمت عليها ودعوت الله أن يسكنها فسيح جناته بعد رحلة معاناة مع المرض الخبيث الذي أصر على اعتلاء جسدها وإنهاكه سنة بعد سنة رغم مقاومته بالكتابة حينا وبالصبر حينا وبالسفر حينا ثالثا. ولقد كانت ثريا خلال وجودي بقطر نعم الأخت التي تمارس عنفوان الحنو والصداقة والمودة الخالصة، قرأت لها بعضا من أعمالها الروائية والقصصية التي تستحق اهتماما نوعيا من النقاد خاصة أنها دخلت مناطق لم يقترب منها أحد من الروائيين العرب كما كانت تسعى إلى التميز في عملها الصحفي الذي كانت تمارسه هاوية وعاشقة فهي أول صحفية عربية تجري حوارا مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي نشرته في الشرق قبل سنوات، وأصدرت كتابا عن تجربته، رحم الله ثريا ومنح زوجها وأبناءها كل ألوان الصبر. [email protected]