12 سبتمبر 2025

تسجيل

في مديح الدوحة

25 مارس 2013

مبتهج بوجودي في الدوحة تلك المدينة التي عانقتها جسدا وروحا على مدى يقترب من عشرين عاما وما زالت متوهجة بوجداني رغم أنني غادرتها عائدا إلى المحروسة قبل خمس سنوات. فثمة خصوصية لهذه المدينة لدي ولدى أفراد عائلتي خاصة أصغر بنتين عندي واللتين ولدتا وتربيتا وتلقيتا القسط الأول من التعليم فيها. وقد سألتني الصغرى "أريج "عن وجهة سفري فقلت لها: إلى حبيبتك. فسارعت معقبة دون تفكير: قطر وخلال السنوات الخمس المنصرمة لم أزر الدوحة إلا مرة واحدة لذلك كانت غبطتي بزيارتي الراهنة شديدة الاتساع ودونما حدود وتيقنت من ذلك بعد أن تلقيت الدعوة من الجامعة العربية للمشاركة في متابعة القمة العربية الرابعة والعشرين التي ستنطلق غدا الثلاثاء. فقد سكنني الحبور مثل عاشق سيلتقي بمحبوبته بعد هجر وغياب وعندما وضعت قدمي بالطائرة الخاصة التي أقلتني من القاهرة مع وفد الجامعة والإعلاميين المصريين ولكن عندما وطأت قدماي أرض مطار الدوحة جرى الدم في عروقي متدفقا بالمشاعر الفياضة للمكان وللبشر ولسنوات أمضيتها في هذه المدينة واستعدت على الفور فيضا من الذكريات الزاخرة بالوقائع المدهشة والمحبة التي أحملها لأهلها ونخبها ورموزها الذين تعاملت معهم طوال سنى إقامتي فيها من مختلف الشرائح وثمة مفارقة توقفت لديها مع رفاق الرحلة القادمين معي من القاهرة مساء الأربعاء الماضي فعندما فتحت لنا صالة كبار الزوار بالمطار قلت في نفسي لقد كانت دوما موضعا لصولاتي الصحفية مع كبار المسؤولين الزائرين والمغادرين وها أنذا أدخلها ضيفا الآن وتكررت المفارقة عندما توجهت في اليوم الثاني لوصولي إلى فندق شيراتون لمتابعة الاجتماعات التحضيرية للقمة. فقد كنت أشبه بالمقيم في هذا الفندق والذي كانت تعقد به معظم المؤتمرات والفعاليات المختلفة في قطر إلى جانب أنه كان يستقبل الزيارات المهمة من رؤساء دول ورؤساء وزارات ووزراء خارجية وغيرهم وكنت مع رفاق المهنة - محمد حجي ومحمد المكي وفيصل البعطوط وطه حسين وأيمن عبوشي وغيرهم - نقاتل مع مرافقي هؤلاء الزوار للحصول على تصريح أو حديث صحفي أو حتى قصة خبرية والآن أدخل الفندق ضيفا رغم أن المهمة لم تختلف فقد جئت أيضا لاقتناص الأخبار والحوارات والقصص الصحفية من المشاركين في قمة الدوحة. وبالطبع ثمة فارق بين أن تكون مقيما وأن تكون ضيفا وقد قمت بجولة في أنحاء الفندق لأستعيد رائحة المكان وبدا لي أنه ما زال محافظا على بهائه رغم تعدد الفنادق بالدوحة تجولت في الدوحة قليلا وكانت البداية مرافقة الزميل المكي والزميل حسن أبوعرفات إلى حفل زفاف نجل عميد الصحافة القطرية أستاذنا ناصر العثمان والذي عملت معه بضع سنوات في الزميلة الراية وكان أنموذجا لأبوة في العمل وقدرة على الاحتواء مما جعله واحدا من أنجح رؤساء التحرير في قطر وفي هذا الحفل الذي كان عامرا بشخصيات عديدة قطرية ومقيمة قابلت نفرا من أصدقاء زمن الدوحة دبلوماسيين وأساتذة جامعات وإعلاميين كنت أظن أنه لن يكون بمقدوري أن ألتقي بهم مرة أخرى وهكذا دبر لي القدر هذه الليلة لأطفئ أشواقي إليهم وفي الليلة ذاتها زرت القامة الصحفية المرتفعة في قطر "الشرق " ورطبت ظمأي بلقاء أحبتي فيها وإن كان البعض في عطلته الأسبوعية ثم توجهت إلى الراية التي التقيت برفاق العمر فيها محبة ومهنة وصداقة وعلى رأسهم بابكر عيسى الصحفي القدير وطه خليفة وعبد الكريم حشيش وطارق الشيخ ومحمود عبدالحليم وطارق خطاب وغيرهم من أصدقاء أهم فترة في حياتي في مختلف أقسام الجريدة سواء في المحليات أو الاقتصاد أو الرياضة أو التصحيح أو التنفيذ وبالطبع ليس بوسعي أن أذكرهم جميعا ولكنهم يقيمون دوما بالقلب بيد أن اللقاء الذي غمر الروح بالسكينة والدفء كان مع الصديق عبدالرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي والذي صحبني أنا ومحمد المكي إلى واحد من أكثر مواقع الجمال في الدوحة وأمضينا فيه سويعات من الهناءات واستعادة الذكريات الطيبة عن سنوات متابعتي له مهنيا سواء عندما كان بوزارة الخارجية أو عندما تولى منصبه الخليجي الرفيع وفي الحقيقة كان يمارس مع الصحفيين الإعلاميين سلوكا راقيا على الصعيدين الإنساني والمهني كما التقيت بصديق العمر عبدالحليم الغزالي الإعلامي المصري المتميز بالجزيرة وصاحب الروح الصحفية الوثابة والعمق في الكتابة هي الدوحة إذن والتي تغيرت عموديا ورأسيا منذ أن كنت مقيما فيها شاهدت مشروعا للنهوض يتحرك بقوة وجرأة واقتحام للزمن الآتي مدركا متطلبات الحداثة ومحافظا على الموروث الحضاري ثمة شوارع وطرق وأماكن لم أستطع التعرف عليها من فرط ما طرأ عليها من تجديد في الشكل والمحتوى وما أذهلني منطقة الأبراج التي تحولت إلى أيقونة للتغيير والتجديد والتحديث خاصة عندما شاهدتها من على البعد في الليل مسكونة بالأنوار والإضاءات المتنوعة وفق تناغم هرموني يجعل كل برج يعزف لحنه الضوئي الخاص به ضمن معزوفة من الألوان التي تطلق البهجة في النفوس أخذتني هذه النهضة العمرانية والتي تعلي من قيمة الاخضرار الذي بات جزءا من منظومة الجمال في المدينة. فثمة حدائق إضافية مع توسيع الذي كان قائما منها وثمة حرص على التناغم بين البنايات والمناطق وفق طرز معمارية مستحدثة مع الأخذ في الاعتبار الخصوصية الحضارية للمدينة بالطبع المرء يلحظ الروح الجديدة التي تسود الدوحة بحيث باتت واحدة من أهم عواصم المنطقة تتحرك باتجاه التقدم والحداثة بثقة في الذات قائمة على رؤية القيادة التي لا تتوقف عند حدود رسمها وإنما تمتلك القدرة على تجسيدها في الواقع وهو ما يتجلى في هذه المدينة التي تناطح السحاب وتتلامس مع الأرض وتفترش الجذور وتنزع للنجوم والآفاق البعيدة حالمة بزمن مغاير لبشرها ومحيطها الإقليمي والعربي السطر الأخير: أيا سكن الروح واستغاثة العاشق مدى كفيك للمدى ورد أقرأه لعينيك وللسفر معزوقة أنت موسيقاها فكيف يكون الوصول لموانئك المرافئ مغلقة والعواصف محيطة والعمران بعيد وقلبي ثائر على هجرك