14 سبتمبر 2025

تسجيل

أهمية استثمارات صناديق التقاعد الخليجية

25 مارس 2012

استجابت الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية القطرية لدعوة المختصين في الشأن الاقتصادي بضرورة مساهمة صناديق التقاعد في دول مجلس التعاون الخليجي في المساهمة التنموية من خلال تنشيط الاستثمارات المحلية، وذلك سيرا على النهج الذي تتبعه صناديق التقاعد والتأمينات في مختلف بلدان العالم، وبالأخص بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث تعتبر هذه الصناديق أحد أهم العوامل المحركة للاستثمارات الداخلية، بما في ذلك الاستثمار في أسواق المال، باعتبار هذه الصناديق أحد صناع السوق الذي يحفظ التوازن المطلوب ويحد من المضاربات. وكما هو حال صناديق التقاعد في العالم، فإن الصناديق الخليجية تملك قدرات مالية هائلة، مقارنة بحجم الاقتصادات الخليجية، فالتقديرات الأولية تشير إلى أن هذه الصناديق تملك ما بين 70 – 80 مليار دولار، وهو مبلغ يمكن أن يشكل أحد أهم محركات الاستثمار في دول المجلس إذا ما تم استثماره بصورة مهنية صحيحة. والحقيقة أن الصناديق الخليجية تعزف حتى الآن عن الاستثمار الداخلي أو الخارجي وتكتفي بالودائع المصرفية التي تعتبر أدنى أشكال الاستثمار في الوقت الحاضر بسبب تدني أسعار الفائدة والتي لا تتجاوز 1% في أحسن الحالات، مما قد يعرض هذه الصناديق لعجز اكتواري في حالة استمرارها في هذا الاتجاه وافتقدت إلى سياسات استثمارية بعيدة المدى. لذلك فإن قرار هيئة التقاعد القطرية باستثمار 1.6 مليار ريال (440 مليون دولار) تقريبا في إحدى الشركات العقارية في قطر يشكل سابقة مهمة للتوجهات الاستثمارية المستقبلية لصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي. لقد أصبحت مسألة وجود سياسات استثمارية لدى الصناديق الخليجية مهمة لاقتصادات دول المجلس من جهة وللمؤمن عليهم من المواطنين الخليجيين من جهة أخرى، وذلك لما لهذه السياسات الاستثمارية من تأثير مباشر على معدلات النمو وعلى المستويات المعيشية في دول المجلس. ومع أن البيانات الصادرة عن صناديق التقاعد الخليجية شحيحة للغاية، إلا أنها مهددة بالعجوزات الاكتوارية، كما تشير إلى ذلك إداراتها بين فترة وأخرى، في الوقت الذي تقوم فيه الصناديق المماثلة في العالم بنشر تفاصيل سياساتها الاستثمارية ونمو أصولها وأرباحها أو خسائرها، فصندوق الضمان الاجتماعي الصيني والبالغ حجمه 137 مليار دولار حقق أرباحا بلغت نسبتها 5.6% في العام الماضي 2011، مقارنة مع 4.2% في عام 2010 وهي نسبة جيدة إذا ما قورنت بالأوضاع الاقتصادية في العالم. وفي الوقت الحاضر فإنه تتوفر لصناديق التقاعد الخليجية فرص كبيرة لتعزيز مواردها وتدعيم أوضاعها المالية، إلا أنه باستثناء خطوة الهيئة القطرية، فإن باقي الصناديق متحفظة في توجهاتها الاستثمارية. ومع أن هذه الخطوة تبدو صغيرة إلا أنها مهمة لتنويع استثمارات الصندوق، فالقطاع العقاري القطري رغم تراجعه في ظل الأزمة، إلا أنه يملك قوة دفع تتزامن مع النمو السريع والقوي للاقتصاد القطري الذي يحقق أعلى معدل نمو في العالم، كما أن المشاريع العمرانية سوف تشهد انتعاشا مستمرا منذ الآن وحتى افتتاح مونديال قطر في عام 2022 وذلك بفضل المشاريع المتوقع تنفيذها استعدادا لهذا الحدث العالمي بعد عشر سنوات. وبالإضافة إلى القطاع العقاري، فإن أسواق المال الخليجية توفر بدورها فرصا مهمة، حيث يصل العائد على أسهم العديد من المؤسسات المساهمة، وبالأخص البنوك الإماراتية والقطرية إلى أكثر من 5% بمستوى أسعارها حاليا، حيث يشكل ذلك خمسة أضعاف العائد على العوائد المصرفية في الوقت الحاضر. وبجانب البنوك، فإن أسعار أسهم الشركات الصناعية الكبيرة المساهمة، كـ (سابك) في السعودية و(ألبا) في البحرين تشكل عامل جذب للمستثمرين، إذ يبلغ العائد على أسهم ألبا 11% سنويا بالأسعار السائدة في السوق حاليا. لذلك فإن إحجام صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية الخليجية عن الاستثمار في أسواقها يشكل خللا كبيرا في أدائها ويفوت عليها فرصا نادرة قلما تتكرر في أوقات متقاربة، إذ ربما تكمن أحد الأسباب في هذا التقاعس الاستثماري في افتقاد هذه الصناديق للاستقلالية الإدارية وارتباطها بوزارات لديها أولويات أخرى ولا تولي استثمارات الصناديق الأهمية التي تستحقها، وذلك رغم أن استثمارات صناديق التقاعد قد تشكل أهمية أكبر من استثمارات الوزارات التابعة لها من الناحيتين التنموية والاستثمارية، مما يتطلب فك القيود المفروضة عليها ومنحها المزيد من الاستقلالية لتتمكن من القيام بدورها التنموي والذي سيشكل إضافة كبيرة للتنمية الاقتصادية في دول المجلس.