16 سبتمبر 2025
تسجيلالمفاجأة كانت من نصيب الجميع، حينما تم الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر.. فكل الأطراف، ومن فرط الاستقطاب الشديد الذي ترافق مع الأيام التي سبقت الاستفتاء، كانت تتوقع كل الاحتمالات.. السلبية قبل الإيجابية منها. تفاجأت التيارات العلمانية والليبرالية والكنسية التي استخدمت كل ما تملك من قوة من أجل حشد المواطنين للتصويت بـ "لا" على تلك التعديلات.. لأنها كانت تتوقع أن تحقق نتائج حاسمة لصالحها، خاصة أن كل مؤشرات الرأي كانت تؤكد ذلك.. لكن جاءت النتيجة لتؤكد شيئا آخر، وهو أن تلك الحملة التي قادتها تلك القوى لم تلامس طموحات جموع الشعب المصري الحقيقية التي لم تعبر يوما عن رأيها بشكل منظم منذ ما يزيد على الستين عاما.. ولتؤكد أيضا أن الرأي الذي ساد في استوديوهات القنوات الفضائية والذي أعطى الإيحاء بأن الشعب المصري سيصوت بما تريده تلك القوى، هو بعيد كل البعد عن حقيقة الواقع الشعبي الذي يموج بآرائه بعيدا عن تلك القنوات وتوجهاتها. وعلى الضفة الأخرى من البحر المتلاطم الأمواج في مصر، تفاجأ التيار الإسلامي بحجم التأييد الشعبي الذي ناله في ذلك الاستفتاء، حيث لم يكن يتوقع أن تصل نسبة ذلك التأييد في أحسن الأحوال إلى ما بعد الخمسين في المائة سوى بدرجات قليلة.. لا بل إن البعض توقع هزيمة مدوية لذلك التيار رغم استخدام جزء منه للدين بشكل مباشر في عملية الحشد الشعبي. ولعل تلك المفاجأة قد انعكست على ردود الفعل الأولية لقادة التيار الديني سواء من جماعة الإخوان المسلمين أو من الجماعة السلفية.. حيث وجدنا بعضا من قادة الإخوان يتحدثون وكأنهم قادة جيش خرج منتصرا للتو من معركة حربية أنقذت شرف الأمة ومقوماتها من الاندثار. فهذا المتحدث الرسمي باسم الجماعة الدكتور عصام العريان، يؤكد في حوار مع قناة الجزيرة أن نتائج الاستفتاء أكدت أن الشعب المصري يقف بالمرصاد ضد أي محاولة للمس بمقومات المجتمع.. أما بعض قادة السلفيين فقد تحدثوا وكأنهم حققوا انتصارا ساحقا ضد قوى الكفر والإلحاد في البلاد، حيث وصف الداعية السلفي محمد حسين يعقوب في كلمة ألقاها في أحد مساجد إمبابة بالجيزة، الاستفتاء على التعديلات الدستورية بأنه "غزوة الصناديق" معتبرا أن "القضية ليست قضية دستور.. لقد انقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط دين فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا يقولون نعم، الإخوان والتبليغ والجمعية الشرعية وأنصار السنة والسلفيين، وأمامهم أناس ثانية ". لكن جماعة الإخوان عادت سريعا إلى رشدها بعد استيعابها لهذه النتيجة غير المتوقعة وبدأت في الإعداد للفترة القادمة وفق أسس جديدة قوامها إعادة ترتيب علاقاتها بقوى المجتمع المصري المختلفة قبل الوصول إلى حكم مصر الذي بدا أنه أصبح تحصيل حاصل بعد هذه النتيجة. كان الإخوان يرتبون أمرهم قبل هذه النتيجة على أساس الدخول تدريجيا إلى مؤسسات الدولة السيادية، حيث أعلنت الجماعة أنها لن ترشح أحدا في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما أعلنت أنها لن تسعى للحصول سوى على حوالي 40 % من مقاعد البرلمان القادم. لكن بعد هذه النتيجة تغير كل شيء، حيث علت أصوات قطاعات واسعة داخل الجماعة وإن كان بشكل غير رسمي من أجل ترشيح أحد قياديها في الانتخابات الرئاسية. وقد قام شباب الإخوان بتدشين عدة صفحة على الفيس بوك لترشيح الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح لمنصب الرئاسة. ورغم أن أبو الفتوح أعلن أنه لم يتخذ قرارًا حتى اللحظة بالترشح للرئاسة.. إلا أن هذا التردد يتم تفسيره لصالح التراجع المنظم لوعود الجماعة بعدم ترشيح ممثل لها في الانتخابات الرئاسية.. حيث من المتوقع أن يتلو هذه الخطوة التي قام بها شباب الإخوان خطوة أخرى تعلن ترشيح أحد قيادات الجماعة أو أحد الشخصيات القريبة منها بشكل غير رسمي، حتى لا يقال إن الجماعة تراجعت عن وعودها. أما فيما يخص البرلمان القادم، فإن الجماعة لن تكتفي بنسبة الـ 40% التي أعلنت عنها سابقا، حيث من المتوقع أن يسيطر مرشحوها سواء أعضاء الجماعة أو القريبين منها، على أكثر من 70% خاصة بعد دخول السلفيين حلبة الساحة السياسية وتحالفهم مع الإخوان ضد القوى العلمانية والليبرالية. فالإخوان لن يفوتوا هذه الفرصة التاريخية دون أن يحققوا منها أقصى استفادة ممكنة، خاصة أن القوى المنافسة لها ما زالت ضعيفة ومنقسمة ولم تكن تتوقع يوما أن تحدث تلك التطورات بهذا الشكل الدراماتيكي.. وهو ما دفعها إلى الارتهان لآليات النظام السابق الذي حولها إلى جزء من هذا النظام لا تحتاج إلى الآليات الجماهيرية اللازمة للعمل السياسي الصحي، وهو ما أدى إلى تلقيها لهذه الهزيمة القاسية في أول معركة تنافسية حقيقية تخوضها. تبقى العقبة الأهم أمام جماعة الإخوان في طريق وصولها إلى حكم مصر وهي الطائفة المسيحية التي تحمل الكثير من الهواجس والمخاوف تجاه الجماعة. ولمواجهة هذه العقبة قامت الجماعة بعدد من الخطوات لتبديد تلك المخاوف حيث قام المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع بإرسال برقية تهنئة للبابا شنودة بعد عودته من رحلة علاج في الولايات المتحدة. وعندما اتصل البابا بالدكتور بديع لشكره على البرقية، فاجأه بديع بطلب زيارته لإعلان مبادرة من الجماعة للحوار مع الشباب المسيحي للرد على أسئلتهم ومخاوفهم بشأن الإخوان. وهو ما أدى إلى ارتباك كبير في الكنيسة التي لم تكن تتوقع مثل هذه المبادرة خاصة في ظل حالة الاحتقان الطائفي المسيطرة على مصر في السنوات الأخيرة. ولذا لم يتم تحديد ميعاد الزيارة لكن الكنيسة تخشى أن عدم تجاوبها مع المبادرة سوف يعطي الجماعة المبرر للتحاور مباشرة مع المسيحيين بعيدا عن سيطرة الكنيسة. من الواضح كما قلنا إن جماعة الإخوان لا تريد أن تضيع منها الفرصة التاريخية التي شاركت في إنجازها، لكن لم تكن تتوقع حدوثها بهذه السرعة.. ولذا تسابق الزمن لإعادة ترتيب علاقاتها مع قوى المجتمع المصري تمهيدا للإعلان الرسمي عن وصول أول رئيس من الإخوان إلى القصر الجمهوري.