01 نوفمبر 2025

تسجيل

من هم القادة الذين أيدوا مخطط اغتيال عبدالناصر؟ (2)

25 فبراير 2018

استعرضنا في الجزء الأول من المقال بعض أسرار و خفايا السياسة الأمريكية تجاه العرب كما دونها رئيس الولايات المتحدة آنذاك (دوايت إيزنهاور) و نواصل عرض الصدمة الغربية حينما أعلن الزعيم جمال عبد الناصر تأميم القنال وهو ما اعتبرته بريطانيا و فرنسا و اسرائيل تهديدا مباشرا لمصالحها الحيوية و تغييرا جوهريا لتحالفات العرب الدولية ولم ييأس عبدالناصر من امريكا حتى بعد رفض واشنطن بيع الأسلحة لمصر فعرض على ايزنهاور تمويل بناء سد اسوان بالتعاون مع البنك الدولي فتم نفس الضغط ـ الى جانب ضغط (إيدن) الذي كان يعتبر القضاء على مصر قصما حاسما لظهر العرب  ورفض ايزنهاور تمويل السد العالي فتوجه عبدالناصر الى السوفييت. كتب ايزنهاور في مذكراته بتاريخ 8 مارس 1956 ما يلي: (اني مقتنع ان عبدالناصر لن يقوم بأي حركة من اجل السلام وان العرب اصبحوا وقحين ولذلك سوف اعمل جهدي على احداث الشقاق بين عبدالناصر والملك سعود) . وتصاعدت تحديات عبدالناصر مهددا بتأميم القنال فتضاعف خوف امريكا وفرنسا وبريطانيا واستغلت اسرائيل التي كان يتزعمها بن جوريون آنذاك هذا الخوف لاثارة الغرب باسره ضد مصر ولم تنقطع تحديات عبدالناصر فأعلن في اواخر مايو ان مصر تعترف رسميا بالصين الشعبية وترفض الاعتراف بالصين الوطنية و زعيمها (شان غاي تشاك) وتحرك (ايدن) في اتجاه الاحتلال العسكري للقنال ولمصر ان لزم الامر قائلا في مذكرة بتاريخ 27 مايو 56 موجهة الى ايزنهاور: (ان الغرب سيختنق وستنقطع عنه حنفية النفط ولا يمكن ان نترك عبدالناصر يؤمم القنال ويهدد مصالحنا البحرية.. والامر يدعو الى تأديب عبدالناصر..) . وكان ايزنهاور يميل حسب المعطيات التي استقاها من (دالس) ومن المخابرات الامريكية الى عقد ندوة لايجاد حل قائلا في مذكراته وفي رسالة ابلغها (روبرت مورفي) الى (ايدن) بتاريخ 2 سبتمبر 56: (ان لدينا في منطقة الشرق الاوسط وخاصة من بين العرب حلفاء تتزعمهم السعودية اعربوا لنا عن رغبتهم في تحجيم عبدالناصر ولكنهم يرون ان عملا عسكريا في القنال لايأتي بتلك النتيجة..) . وجاء جواب (ايدن) يوم 7 سبتمبر 1956 ليذكر ايزنهاور بان بريطانيا وفرنسا تحالفتا في الحرب الاخيرة مع الولايات المتحدة (ولايمكن ان نترك الغرب ينهار على مراحل) . في منتصف نهار 31 اكتوبر علم ايزنهاور ان الطائرات البريطانية والفرنسية والاسرائيلية معززة في الارض بقوات ثلاثية كبرى هاجمت مصر وان عبدالناصر تمكن من غلق القنال وجمع قواته للمقاومة وكتب الرئيس الامريكي في مذكراته بان ذلك الهجوم كان مفاجأة عظمى له تعادل مفاجأة (بيرل هاربر) في ديسمبر 1941 او الهجوم الالماني على فرنسا في ديسمبر 1941 والبقية معلومة لدى المؤرخين فقد تحرك ايزنهاورالرئيس الأمريكي و(بولجانين) زعيم الاتحاد السوفييتي حينذاك لانهاء العدوان واغتنم الكرملين هذا الحدث ـ ومناخ الانتخابات الرئاسية الامريكية ـ ليقوم بغزو المجر واحتلال عاصمته بودابست لسحق المتحررين. ويهب ايزنهاور ليستخلص العبرة من العدوان الثلاثي فيقول (انا مؤمن بأن مصالح امريكا رهينة استقرار منطقة الشرق الاوسط اكثر منها رهينة الشرق الاقصى) . ويضيف ايزنهاور يوم 5 فبراير 1957 قائلا: (لعل مصلحة امريكا تتلخص في الحفاظ على حاجة العرب المستمرة للمعونة الغربية مع استعدادنا للتدخل العسكري اذا ثبت ان جزءا من هذا العالم العربي أصبح قويا لدرجة تهديد اسرائيل) ثم يقول ايزنهاور تلك الحكمة التي ذهبت مذهب الامثال في الخمسينيات حين خطب امام الكنجرس يوم 3 مارس 1957 قائلا: (بصورة عامة نحن بازاء قادة عرب محتاجين للسلاح يحكمون شعوبا محتاجة للخبز). حين أستعرض لقرائي العرب هذه الحقائق التي سجلها مهندسوها الغربيون فإني أدعو الجيل العربي الراهن من الشباب الى الاعتبار بها و إدراك بعض العبر التي تنفعنا اليوم وأهمها أن استراتيجية الغرب إزاءنا لم تتغير بل تلاءمت مع مستحقات العصر وهي تعتمد اليوم كما بالأمس على استمالة دولتين محوريتين هما مصر و السعودية لتكونا قاطرتين للعرب في خدمة مصالح غير العرب و لا نتعجب حين نرى اليوم هاتين الدولتين تحاصران دولة قطر العصية عن دخول بيت الطاعة فقطر متمسكة بمبادئها القومية و سيادتها الوطنية الى جانب إصرارها على مقاومة الإرهاب و تحمل أمانة دورها الإيجابي في صيانة أمن إقليمها و أمن شقيقاتها دون تخاذل أو  تردد وهو ما جلب لها تعاطف الرأي العام العالمي و ما جعلها تصمد باقتصادها القوي و دبلوماسيتها الذكية و رجالها و نسائها الوطنيين أمام ما خططه لها بعض خصومها فصلب عودها و قويت شوكتها و ازداد أميرها محبة في قلوب أبناء شعبه.