12 سبتمبر 2025
تسجيليفرض تنظيم القاعدة نفسه لاعبا أساسيا في المنطقة الممتدة من أفغانستان شرقا وحتى الصحراء الكبرى غربا ومن سوريا شمالا إلى الصومال جنوبا، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع تنظيم القاعدة ومنهجه، ولا يمكن لأحد في العالم إنكار ذلك، فهو تعبير حقيقي عن عصر العولمة، والقدرة على إثارة الرعب والقلق والمتاعب من واشنطن إلى موسكو مرورا بلندن وباريس ومدريد وعواصم عربية متعددة.ربما تكون الرسالة التي ينبغي أن يسمعها أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة ومرجعها الأول في العالم هو ضرورة ظهوره علنا بالصوت والصورة للتبرؤ مما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يعرف إعلاميا "داعش وعصابة البغدادي"، التي تعيث في الأرض فسادا وقتلا وإجراما، ودعوة الشباب في العالم كله إلى عدم الالتحاق بهذا التنظيم المارق لإنقاذهم من الفتن والموت العبثي، بعد جرائمه الكثيرة وآخرها قتل القيادي أبو خالد السوري. لقد تحولت القاعدة إلى تنظيم بلا هدف أو إستراتيجية أو مقاربات سياسية أو برامج وحلول للمشكلات التي تمر بها الأمة، وهو لا يقدم غير الدعوة للقتال، فهل القتال وحده يكفي لتغيير حركة التاريخ؟ وهل استطاعت القاعدة أن تحقق أي إنجازات بعد مشاركتها بدحر القوات السوفيتية من أفغانستان بمساعدة الشعب الأفغاني نفسه؟ الإجابة هي النفي، فقد عجز التنظيم عن تحقيق إنجاز مماثل في العراق بسبب فقدان الحاضنة الشعبية، ودخوله في مواجهات مع الصحوات، كما عجز عن تحقيق إنجازات كبيرة في سوريا بسبب الانقسامات والقتال بين "داعش" وجبهة النصرة" والجيش الحر والفصائل الأخرى، وهذا يعني أن القاعدة تحولت إلى عبء على سوريا وثورتها بدل أن تكون عونا لها، مما أعطى الدول الفاعلة في سوريا، إقليميا ودوليا، مبررات للتآمر على الشعب السوري وتركه حيدا في مواجهة الحرب الدموية التي يشنها نظام الأسد الإرهابي، ودفعت بعض الدول، العربية والأجنبية، إلى تقديم أولوية محاربة القاعدة على نظام الأسد في سوريا، مما أضر بالثورة والشعب.الأمر الآخر الذي ينبغي أن يدركه الظواهري هو أن محاربة "تنظيم القاعدة" تحول إلى شماعة لانتهاك سيادة الشعوب والأفراد وسن القوانين المقيدة للحريات وغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجسس والتنصت على كل فرد من أفراد المجتمع، وإطلاق أيدي الحكومات لرصد ميزانيات عسكرية وأمنية ومخابراتية ضخمة على حساب حاجات الشعب الأساسية، مما زاد من منسوب الدكتاتورية العلنية والخفية في العالم تحت شعار "محاربة الإرهاب".حري بالظواهري أن يعلن "حل تنظيم القاعدة كليا"، لكي يختفي عن الساحة العالمية، لإلغاء الشماعة التي يتخذها الفاسدون والطغاة وكهنة الاستعمار من أجل زيادة الميزانيات العسكرية وشن الحروب على الدول بحجة "التصدي للقاعدة" ومحاربة الإرهاب.هذه الخطوة صعبة جدا من الناحية المعنوية، فكيف يمكن لقيادي مثل الدكتور الظواهري أن يصدر قرارا بحل تنظيم قارع روسيا وأمريكا معا، ويلغي تاريخا طويلا من القتال ضد الاستعمار، لكنها في المقابل ممكنة عمليا، فالقاعدة لم تعد تنظيما موحدا بهيكلية حقيقية، بل تحولت إلى عناقيد أيديولوجية دون رابط تنظيمي، مما أتاح الفرصة أمام الكثير من الدول لاختراق هذا التنظيم واللعب به وتوظيفه، وأفضل مثال على ذلك "داعش" التي أنهكت الثورة السورية.حل تنظيم القاعدة وإعلان نهايته سيخلط الأوراق في العالم، وسيجبر الحكومات والأجهزة الأمنية على "إعادة تعريف العدو"، وسيمنح الشعوب صوتا عاليا في مواجهة "عسكرة العالم" واستنزاف أموال الناس في الحروب، وإذا ما اختفت القاعدة وسقطت ورقة محاربة الإرهاب، فأي عدو ستعلنه أمريكا وروسيا وغيرهما من الدول، لقد حان الوقت لاختفاء تنظيم القاعدة عن المشهد وإسدال الستار عليه، لأنه استنفد أغراضه وتحول إلى عبء على العرب والمسلمين والعالم.