10 سبتمبر 2025

تسجيل

في إشكالية الانتخابات المصرية

25 فبراير 2013

هل ثمة مبرر مقنع أجبر الرئيس الدكتور محمد مرسي على إصدار قرار بدعوة الناخبين لانتخابات مجلس النواب في الأسبوع الأخير من شهر أبريل من دون أن يحاول مشاورة ممثلي القوى السياسية والحزبية والثورية؟ في يقيني. كان من المفترض أن يشكل هذا التطور نقطة انطلاق باتجاه إظهار حسن النية من قبل مؤسسة الرئاسة والقوى المساندة لها والمتمثلة أساسا في جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة تجاه القوى المعارضة والتي طلبت ذلك على لسان الدكتور محمد البرادعي المنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني بل كان يمكن لو حدث هذا التشاور حول المسألة الانتخابية أن تحدث مقاربة حقيقية في اتجاه خلخلة الأبواب الموصدة بين الحكم والمعارضة وفتح نافذة من الأمل لدى الشعب الذي ضاق ذرعا بحالة التشظي التي تعيشها المحروسة منذ نوفمبر الماضي عقب إعلان الرئيس مرسي إعلانه الدستور الذي لم يخضع بدوره للتشاور رغم أنه التقى بأغلب قيادات ورموز القوى والأحزاب السياسية إن إجراء الانتخابات القادمة يأتي ضمن سياق يبدو لي منطويا على قدر من الهرولة – إن جاز لي استخدام هذا التعبير - لإنجاز مهمة تشكيل البرلمان القادم على نحو ترى قيادات الإخوان والحرية والعدالة سيقود إلى الحصول على الأغلبية بما يمكنهم من تشكيل الحكومة القادمة للقفز خطوة أكثر تقدما باتجاه مشروع التمكين الذي بدا أن الجماعة وحزبها ماضون فيه بقوة بغض النظر عن النتائج والتداعيات والتي أخذت تجلياتها تنخر كالسوس ليس في جسد المحروسة وإنما في روحها. وإزاء ذلك. سارعت القوى الوطنية وفي مقدمتها جبهة الإنقاذ والتيار الشعبي إلى الإعلان عن مقاطعة الانتخابات بل إن حزب النور السلفي والذي كان حليفا استراتيجيا لجماعة الإخوان وضع خيار المقاطعة ضمن بدائله ردا على ما يصفه قادته بأنه خروج الجماعة عن الثوابت الوطنية وضربها بعرض الحائط بما يتم الاتفاق عليه وفي مقدمتها مبادرة الحزب التي كانت ترمي إلى إقناع القوى المناوئة للجماعة ولحزبها بالانخراط في حوار وطنى بات مطلوبا على نحو ملح . والأمر نفسه فيما يتعلق بتشكيل حكومة إنقاذ وطني بديل لحكومة الدكتور هشام قنديل التي لا تحظى بالشعبية سواء في الأوساط الجماهيرية أو بين النخب السياسية بما في ذلك دوائر داخل حزب الحرية والعدالة والتي قدمت تقارير سلبية في تقييمها لأداء هذه الحكومة. وفي محاولة من قبل الحرية والعدالة لإجهاض مبادرة النور تم الترتيب للقاء بين رئيسه الدكتور سعد الكتاتني وكل من الدكتور محمد البرادعي والدكتور السيد البدوي من وراء ظهره ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد وجهت ضربة قوية لمستشار الرئيس مرسي لشؤون البيئة الدكتور خالد علم الدين من خلال قرار إقالته من منصبه على خلفية تقارير رقابية اتهمته بسوء استغلال موقعه وهو ما نفاه بقوة متحديا مؤسسة الرئاسة تقديم أي دليل في هذا الشأن. في ضوء هذه المعطيات لا تبدو الجماعة حريصة على مد جسور التواصل والتشاور مع القوى المناوئة لها فحسب وإنما تحرص عمدا ومع سبق الإصرار على كسر تحالفاتها وبالمناسبة لعب حزب النور دورا محوريا في مساندة مشروع الرئيس مرسي ودعم جماعة الإخوان في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في مايو الماضي وهو ما يطرح سؤالا في غاية الأهمية هل تحاول أن تظهر الجماعة عبر آليتها التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة وذراعها السياسية أنها أقوى من الجميع في المحروسة؟ لا أرغب شخصيا في أن يكون الأمر قد بلغ هذا الحد من الشعور بالأحادية وتضخم الذات والسعي إلى الهيمنة على مفاصل السلطة وإقصاء القوى الأخرى فذلك لا يتسق مع الفكر السياسي الإسلامي الذي تتبنى الجماعة محدداته من خلال تجربة سياسية تمتد إلى أكثر من ثمانين عاما فضلا عن أنه لا يتسق مع طبيعة دولة ضاربة في التاريخ وشعب متجذر حضاريا وتعاطى مع الكثير من المشروعات السياسية والقوى الغازية من الخارج دون أن يتأثر في تكوينه أو توجهاته بل ظل متوهجا على الدوام وكان يخرج منتصرا من كل مواجهة قويا على خصومه وأعدائه ومن يحاولون فرض الهيمنة عليه. وإذا كانت مؤسسة الرئاسة قد تجاوبت مع بوادر غضب قبطي فأعلنت عن تعديل موعد إجراء الانتخابات في توقيت لا يتعارض مع مناسبات دينية خاصة بهم في التوقيت السابق وهو أمر تحمد عليه لأنه حال دون تمزيق النسيج الوطني فإنه من الضروري بل الملح أن تعيد النظر في القرار من الأساس باتجاه التوافق على موعد جديد مع مختلف الأطياف السياسية التي تتسع قاعدة معارضتها للرئاسة وللجماعة وحزبها إلى حد المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كبديل عن فكرة إسقاط النظام. وأحسب أنه بوسع هذه الخطوة أن تنزع مساحة كبيرة من الفتيل المشتعل في أنحاء المحروسة متخذا من تجليات العصيان المدني سبيلا للضغط على النظام الجديد ويوقف حالة الفوضى السياسية والإعلامية والأخلاقية السائدة على مدار الساعة وفي الشارع والطرقات وعلى شاشات الفضائيات واللافت أن ثمة قناعة قوية لدى القائمين على أمر البلاد أحيانا بأن الأمور آخذة في المضي في الاتجاه الذي يخططون له ويرسمون خرائطه. وذلك من خلال تصور بعض الدوائر التي توصف بالتشدد داخل الجماعة وحزبها بأنه لو تم تأجيل الانتخابات فستحصل القوى المعارضة على مشروعية فضلا عن القبول بنفس قواعد اللعبة التي صنعتها وبالتالي فإن التصرف المناسب هو الإسراع بإجراء هذه الانتخابات بأقصى سرعة لنحقق عدة أهداف بضربة واحدة وفقا لما يقوله الصديق عماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة الشروق وأهمها أن المعارضة ضعيفة وصوتها عالٍ إعلاميا فقط، كما أن هناك وعودا من قوى داخلها بالمشاركة في الانتخابات بالإضافة إلى ذلك فإن الشارع طبقا للتحليل الإخواني قد أصيب بالملل والزهق والتعب ولن ينزل الشارع بكثرة مرة أخرى، والخلاصة أنه لا ينبغي تقديم أي تنازل لهذه المعارضة الضعيفة، لأنها ستواصل طلب المزيد من التنازلات بعد ذلك. لاشك أن ذلك – الكلام لكاتب هذه السطور - تفكير إقصائي ينهض على درجة من النرجسية لا ينبغي أن يتبناه فريق يضم بين صفوفه قيادات وكوادر أجلها واحترمها وأدرك مدى امتلاكها لحس وطني رفيع وحريص على المحروسة ولكن يبدو أن من عكس ذلك هم من يرفعون أصواتهم ويفرضون توجهاتهم وهي خطيرة بكل تأكيد على الوطن بل وعلى الجماعة.