11 سبتمبر 2025

تسجيل

مصر في مواجهة عاصفة القمع الشامل

25 يناير 2016

تحبس أنفاس العالم أمام حملات الشد والجذب في الساحة المصرية، مع الذكرى السنوية الخامسة لثورة 25 يناير 2011 والتي كانت من الأحداث البارزة والمجيدة في تاريخ مصر الحديث والتي أنهت تماما وبهبة شعبية وحاسمة جامعة مانعة إرثا إنقلابيا قمعيا كان جاثما على صدور أجيال عديدة من المصريين منذ 23 يوليو 1952، وحتى الخامس والعشرين من يناير 2011، لقد كان طريق الكفاح الشعبي المصري طويلا وشاقا، حافلا بالدموع والآلام والمعاناة وحتى الهزائم التي تركت ندوبها الواضحة والغائرة على وجه مصر الجميل. تمر الذكرى السنوية الخامسة لهذا الحدث التاريخي والمنعطف المهم في تاريخ الشعب المصري، وشعب مصر يدفع أثمان الانتكاسة التي حصلت والانقلاب الكارثي الذي تجمعت غيومه بعد شهور من الثورة والذي اتضح معه بأن إرث الاستبداد كان في طريقه للزوال والتلاشي وبأن عصرا جديدا ومختلفا قد أطل على مصر، إلا أن لقوى الثورة المضادة ولأساطين دولة القمع العميق العريقة حسابات ومصالح وسيناريوهات لا تتناسب إيقاعاتها بالمرة مع ما يريده الشعب، بل فضلوا معاكسة التاريخ والإبحار بعيدا وبالضد من مساراته الحتمية، مع محاولة تطويع الأحداث وتزوير المستندات والطعن في مصداقية الإرادة الشعبية التي أنتجت واقعا ديمقراطيا نزيها وحرا شكل بوابة الخطر على مصالح العديد من الأطراف التي تضررت وسارت مع مواكب الثوار دون أن تؤمن حقيقة بتلك الثورة ولا بالشعب ولا مصالحه، فكان ما كان سيحصل حتما والذي حصل في مراحل سابقة من عمر انتفاضات الشعب المصري، فأعاد بقايا المعسكر القديم ترميم مواقعهم وانطلقوا في مسلسل كريه لإعادة تجربة الماضي الكريه الممجوج بلمسات عصرية دون التخلي عن بصمات القمع والدم الرهيب، فكانت ساحتا رابعة والنهضة عنوانا صارخا لانتكاسة ثورة يناير، وإعلانا واضحا على تقدم قوى الثورة المضادة متسلحة بأسلحة العصر وشعاراته التضليلية، و مستمرة في انتهاج الأسلوب الدموي الذي طبع الحياة السياسية المصرية منذ توسع دولة زوار الفجر التي انهارت بالكامل مع هزيمة حرب الأيام الستة بعد انكشاف الغطاء القمعي، و تهاوي دولة الشعارات بكل رموزها وإحباطاتها وفلسفتها الرثة التي دفع المصريون من مستقبلهم فاتورة رهيبة لها، ودخلت مصر في حرب الاستنزاف لاسترداد الكرامة التي أهدرها ضباط الهزيمة والفشل، ثم عبر المصريون بتضحيات شبابهم نحو ضفة النصر الكبير في السادس من أكتوبر 1973، لتجري مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور، ولتفرض المتغيرات التاريخية والمجتمعية واقعا جديدا أفرز مرحلة مصرية جديدة اتسمت بانفتاح استهلاكي محدود دون أن يشمل ذلك أي متغير حقيقي على صعيد إعادة بناء الدولة أو الإنسان المصري، فتراكمت المشاكل وتصاعدت الإحباطات وولدت أجيال شابة تبحث عن دور حقيقي لمصر الكبيرة برجالها وعطائها، فمرت مياه ودماء عديدة ومتدفقة تحت كل الجسور وأعيد تأسيس الديكتاتورية السلطوية على أسس جديدة تعمق من هيمنة العسكر على السلطة في ظل دوامة أوضاع اقتصادية صعبة مع انسداد لآفاق المستقبل أمام الشباب المصري، وحيث تواجه شعب مصر اليوم تحديات شرسة ومباشرة وصميمية منذ أن تم الالتفاف على مبادئ ومنطلقات ثورة الخامس والعشرين من يناير عبر فذلكات انقلابية مفضوحة للجميع لم تستطع أبدا إنقاذ السفينة المصرية المترنحة وسط الأنواء بل زادت الصورة المتعبة رتوشا وظلالا سوداء مكفهرة فاحمة لا تبشر بخير، شعب مصر الصابر يقف اليوم في مواجهة إرهابين، إرهاب السلطة العسكرية المستبدة، وإرهاب الجماعات المسلحة التي تجد فرصتها التاريخية في مرحلة التفكك الداخلي، والصراع، و انعدام وحدة الهدف، وسيادة سياسة القمع العبثية الحمقاء التي لا تنتج سوى الآلام والدموع والمعاناة، فليس من الحصافة تهديد شعب بأكمله، وليس من المنطق في عصر الحريات الكونية معاملة شعب مصر العريق كقطيع خراف، فهذا الشعب الحي أثبت التاريخ أنه عصي على التطويع، معتز بكرامته وكبريائه وحبه لوطنه، قد يصبر طويلا وأكثر مما يتصور البعض أو يتوقع، ولكنه لم يتعود أبدا أن ينام على مخدة الضيم أبد الدهر! شعب مصر ودع غاشية الخنوع نهائيا وهو يكافح اليوم من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، ومن يتوهم بقدرته على خداع الجماهير المصرية عبر ألعاب الحواة من أهل الثلاث ورقات فإنه يضع نفسه في مأزق تاريخي صعب! في مصر لن يصح إلا الصحيح، وكفى مجازر واستهتارا بحق شعب الكنانة الذي قدم لأمته الكثير وآن أوان إعادة الحق لنصابه وإزاحة الباطل، والله ناصر للأحرار والمتقين...