13 سبتمبر 2025
تسجيلاليوم أقلد قلمي شرف هتك الأسرار، أسرار الضياع ولم تكن توبتي نتيجة ظروف قاسية أو محنة عارضة، بل كنت أنعم بكل أشكال الترف وحرية في كل شيء، وكنت أجسد العلمنة بمعناها الصحيح، وكانت أفكار الحداثيين وخططهم نهجي ودستوري، وكتبهم مرصوصة في مكتبتي، وقلمي تتلمذ على أشعار نزار قباني، ورمي الحجاب حلم يداعب خيالي، وقيادة السيارة قضيتي الأولى أنادي بها في كل مناسبة، وأستغل ظروف من هم حولي لإقناعهم بضرورتها.تمنيت أن أكون أول من يترجم فكرة القيادة إلى واقع ملموس، ولطالما سهرت الليالي أخطط فيها لتحقيق الحلم، أما تحرير المرأة السعودية من معتقدات وأفكار القرون البالية وتثقيفها وزرع مقاومة الرجل في ذاتها، فلقد تشربتُها وتشربَتْها خلايا عقلي. وسعيت لتسليط الضوء على جبروت الرجل السعودي وأنانيته.وقدمت الرجل المتحرر على طبق من ذهب على أنه يفهم المرأة واستخراج كنوز أنوثتها وقدمها معه جنباً إلى جنب وشوهت صورة الرجل المتدين على أنه اكتسب الخشونة والرعونة من الصحراء وتعامل مع الأنثى كما تعامل مع نوقه وهو يسوقها بين القفار، كانت الموسيقى غذاء الروح كما كنت أسميها هي نديمي من الصباح إلى الفجر، أما الرقص بكل أنواعه فقد جعلته رياضة تعالج تخمة الهموم.ونظريات فرويد كنت أدعمها في كل حين بأمثلة واقعية، وأنسب المشاكل الزوجية إلى الكبت، والعقد من آثار أساليب التربية القديمة التي استعملها أهلنا معنا.وكانت أفكاري تجد بين المجتمع النسائي صيتاً عالياً ومميزاً، سرت على هذا النمط سنين عديدة.وفي يوم من الأيام وفي أحد الأسواق كنت جالسة في ساحته لفت نظري شاب متدين بهيئته التي تدل على التدين، ثوب قصير وسير هادئ وعيون مغضوضة، أظنه في سن ما فوق العشرين، يعمل، أعجبني هدوؤه وراودتني بعدها أفكار غريبة علي جداً.علامات الرضا بادية على محياه، خطواته ثابتة رغم أن قضيته في نظري خاسرة هو والقلة التي ينتمي إليها، يتحدون مارداً جباراً ( تقدم وحضارة)، ولا يزالون يناضلون سخرت بداخلي منه ومنهم، لكنني لم أنكر إعجابي بثباته، فقد كنت أحترم من يعتنق الفكرة ويثبت عليها رغم الجهود المتواضعة وقلة العدد وصعوبة إقناع البشر بالكبت كما كنت أسميه.حاولت أن أحلل الموضوع، فقلت في نفسي (ربما هؤلاء الملتزمون تدينوا نتيجة الفشل فأخذوا الدين شعارات ليشار إليهم بالبنان، لكن منهم العلماء والدكاترة وماضي عريق قد ملكوا الدنيا حينا من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب أو ربما هو الترفع عن الرغبات)، وعند هذه النقطة بالذات اختلطت عليَّ الأمور، الترفع عن الرغبات معناه الكبت والكبت لا ينتج حضارة!حاولت أن أتناسى هذا الحوار مع نفسي، لكن عقلي أبى عليَّ ولم يصمت، ومنذ ذلك الوقت وأنا في حيرة، فقدت معها اللذة التي كنت أجدها بين كتبي ومع أنواع الموسيقى والرقص ومع الناس كافة، علمت أني فقدت شيئا، لكن ما هو؟ لست أدري اختليت بنفسي لأعرف، طرقت أبواب الطب النفسي دون جدوى، فقدت الإحساس السابق بل لا أشعر بأي شيء، كل شيء بلا طعم وبلا لون، فرجعت مرة أخرى إلى نقطة البداية، متى كان التغير؟، إنه بعد ذلك الحوار تساءلت كل ما أتمنى أستطيع أخذه ما الذي يحدث لي، إذا أين ضحكاتي المجلجلة ؟ وحواراتي التي ما خسرت فيها يوما؟ جلسات السمر والرقص؟، كيف ثقل جسدي بهذا الشكل؟، وكلما حاولت أن أكتب أجدني أسير بقلمي بشكل عشوائي لأملأ الصفحة البيضاء بخطوط وأشكال لا معنى لها، غير أن بداخلي إعصار من حيرة، بدأت أتساءل، هذه الموسيقى المنسابة إلى مسمعي لم أعد أشعر بروعتها لو كانت غذاء الروح لكانت روحي الآن روضة خضراء، أو تلك الكتب التي احترمت كتابها وصدقتهم لم تخذلني الآن كلماتهم ولا تشعل حماسي كما كانت، وهنا لاح سؤال صاعق، هل هم فعلاً أفضل منا (تقصد الغربيين)؟هل هم فعلاً أفضل منا؟ وبماذا أفضل؟ تكنولوجيا؟ وبماذا خدمت التكنولوجيا المرأة عندهم؟، خدمت الرجل الغربي، والمرأة أين مكانها ؟ معه في العمل! وأخرى في المرقص تتراقص على أنغام الآلات التي اخترعها الرجل! وأخرى ساقية للخمر الذي صنعه الرجل ونوع من أسمائه!، اكتشفت حقيقة أمر من العلقم، الرجل تقدم وضمن رفاهيته وتملص من الحقوق والواجبات، حتى في جنونه جعل المرأة صالة عرض لكل ما خطر على خياله واخترع لها رقصات بكل الأشكال، رقصت وهي واقفة وجالسة ونائمة، مقلوبة كما رقصت الراقصة كما اشتهاها العازف، اشتهاها ممثلة، مثلت كل الأدوار التي تحاكي رغباته من اغتصاب وشذوذ، أي دور وكل دور ! اشتهاها عارية على الشاطئ تعرت!، اكتشفت الخديعة الكبرى في شعار حرية المرأة، فإذا نادى بها رجل فهو الوصول إلى المرأة، ثم من ماذا يريدون تحرير المرأة؟..من الحجاب؟..لماذا؟..إنه عبادة كالصلاة والصوم ...كنت سأحرم نفسي منه لولا أن تداركتني رحمة ربي، يريدون أن يحرروني من طاعة الأب والزوج، إنهم حُماتي بعد الله ..الأب والزوج حُماتي بعد الله، يريدون أن يحرروني من الكبت، كيف سميتم العفة والطهارة كبتاً؟ كيف؟..ما الذي جنوْه من الحرية الجنسية؟..أمراض ضياع!..حرروا المرأة كما يزعمون أخرجوها من بيتها تكدح كالرجل وضاع الأطفال!..واليوم يدرسون ضياع الأطفال ..تباً لهم وتباً لعقلي الصغير كيف صدقهم؟..كيف لم أَرَ تقدمنا والمرأة متمسكة بحجابها؟..كيف كنت أنادي بالقيادة؟..فمع قيادة المرأة للسيارة يسقط الحجاب فتسقط المرأة!أختكم في الله: المشتاقة إلى الله الكاتبة السعودية (مشاعل العيسى)