14 سبتمبر 2025

تسجيل

نحو اتحاد مغاربي شعبي وقوي وحر

25 يناير 2012

حركة مباركة تشهدها الساحة المغاربية منذ الربيع العربي جسدها رئيس الجمهورية التونسية بوضع إعادة الاتحاد المغاربي في أولوية برامج الدولة كما عززتها زيارة الرئيس التونسي لليبيا وزيارة الرؤساء الجزائري والليبي والموريتاني لتونس وتحول وزير خارجية المغرب لتونس وتصريحات وزير الخارجية التونسي الجديد د.رفيق عبد السلام حول أولوية التأسيس لاتحاد مغاربي قوي وحر وفاعل. كما أنه جدت منذ أسبوع حادثة اختطاف محافظ ولاية جزائرية حدودية وتمت معالجتها بسلام بحمد الله ولكن الإشارة التي يجب التقاطها من قبل النخب والمجتمعات المدنية المغاربية هي أن خلايا العنف وفلول الإحباط تستعيد نشاطها وأن الذي أفشل عمليتها هذه المرة هو التنسيق المغاربي. ثم إنك لو تأملت محاولة بعض الأطراف تسميم أجواء تونس وليبيا ومصر بخلق بؤر التوتر الاجتماعي فإنك توقن بأن مكاسب التحولات العميقة في هذه البلدان تبقى مهددة بظهور حركات عنيفة تلبس رداء المطلبيات وتهدف إلى إشاعة مناخ من الفوضى لا يخدم سوى مصالح أعداء الشعوب. يمكن القول إن تعطل الاتحاد المغاربي في بناء مؤسساته وتنسيق سياساته كان له دور في تشكل اتحاد أعداء كل عمل مغاربي صالح، فكلما تعثرت وحدة الدول والمجتمعات المدنية في البلدان المغاربية كلما تسارعت خطوات العصابات المنظمة من كل لون وطيف لملء الفراغ واحتلال العقول واختراق الحدود. وقد كانت المواجهات المسلحة المحدودة بين قوات الأمن التونسية والليبية والجزائرية والموريتانية وبعض العناصر المغرر بها خلال السنة الماضية منعرجا خطيرا في ممارسات الجماعات المسلحة التي تلبس أقنعة الجهادية والقاعدة، حيث تعولمت تحركاتها بشكل لافت فاستعملت أدوات العصر الإلكترونية، وتلقت تدريباتها ومدت فروعها إلى المملكة المغربية وموريتانيا وتونس، وأعلن فريق منهم الولاء والمبايعة لتنظيم القاعدة، بقصد تهديد الاستقرار الضروري لكل سلام مدني وكل بناء مغاربي، ذلك الاستقرار الذي ثبت أنه يظل هشا ما لم تتعمق السلطة والمجتمع المدني في معالجة المشكلات سياسيا وتربويا وثقافيا وألا يقتصر التعاطي معها بالوسائل الأمنية وحدها. ونحن نثق في مجتمع مغاربي يعرف منذ التاريخ العريق بوداعة أهله وطيب العيش فيه وانعدام الطائفية ورفعة مستوى الحس المدني والثقافي والفكري وبلوغ النخبة درجات عالية من الوعي السياسي والمشاركة الحضارية. ونحن نتابع بأمل تحرك القيادة المغاربية في هذا الاتجاه مع زيارة المرزوقي لليبيا وزيارة عبد الجليل لتونس ورعاية كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا لهذه المساعي. ونعيد للأذهان ما كانت نبهت إليه مؤسسة التميمي للبحث العلمي في تونس قبل الربيع العربي أثناء مؤتمرها الحادي والعشرين حول تكلفة اللامغرب حين طرحت سؤال: ماذا يخسر المغاربيون من غياب الوحدة أو تأجيلها! بمشاركة أساتذة بارزين وأصحاب قرار نافذين من كل بلدان المغرب العربي، وتدارسوا أسباب تعثر البناء المغاربي بينما هو حلم الأجيال التي جاهدت من أجل استقلاله وتأسيس دوله الحديثة، واقترحوا وسائل تحقيق وحدته، وهي نفس الوسائل التي ما انفك يقترحها المثقفون المغاربيون منذ عقود ولا من مجيب. وفي البيان الختامي عدد المشاركون في المؤتمر أسباب إحباط المشروع الوحدوي المغاربي كالتالي: النزعة السيادية القطرية المشطة ذات الطابع الانفرادي وغياب المشاركة الموسعة لمؤسسات المجتمع المدني في القرارات المتخذة وتغييب الأبعاد المغاربية في التعليم والبحث العلمي والإعلام وعجز السلطات المغاربية عن إيجاد حلول توفيقية لبعض المعضلات السياسية وضياع الوقت وإهدار الإمكانات في عقد اجتماعات ماراطونية لم تنتج سوى الشعور بخيبة الأمل وإعلان الفشل الذريع. هذه لمحة عن تشريح الإخفاق المغاربي من لدن نخبة متميزة من أبناء المغرب العربي وضعت أصابعها على أصول الداء واقترحت العلاج السياسي والثقافي الجريء الذي لا يقتصر على رفع العصا في كل اتجاه بدعوى الحفاظ على الأمن. ويتطرق بيان المؤتمر إلى دقة المتغيرات الجيوسياسية والمعرفية والاقتصادية وضرورة إعادة ترتيب البيت المغاربي على أساس بناء صرح إقليمي ديمقراطي منفتح على العولمة والتكنولوجيات وتأمين الحريات المواطنية الأساسية باعتبار الحرية هي المعيار الصحيح لأي تقدم ولأية تنمية حقيقية. فهل من خطاب أبلغ ومن رسالة أوضح يوجهها المؤتمرون المغاربيون لأصحاب القرار السياسي حتى تكون الوحدة المغاربية الديمقراطية هي الدرع الواقية لشعوبنا من مغبة الإرهاب والفوضى وقمع الحريات وهجرة العقول وضياع الاستقلال؟ ويأتي ربيع تونس وليبيا ليهز الضمائر ويحرك المشاعر ويوقظ الهمم حتى نؤسس جبهة مغاربية حقيقية وقوية للتصدي للإرهاب والإحباط لا بالمعالجة الأمنية فقط والتي لم تعد تكفي رغم أهميتها لتوفير الأمن واتقاء الفتنة، ولكن بمواجهة المعضلات التي عددها المؤتمرون في تونس بما سموه على استحياء ضرورة إيجاد الحلول التوفيقية للمشاكل السياسية القائمة، وهنا نلتقي جميعا أبناء المغرب العربي حول استعجالية الوفاق الوطني والإقليمي وطي صفحات الماضي لنكون يدا واحدة ضد الاستبداد والردة الحضارية والعنف الأعمى. إنها أمانة في أعناقنا جميعا.