10 أكتوبر 2025

تسجيل

عن حال الطب والأطباء

24 ديسمبر 2019

ما زال التدريس في أسفل السلم المهني من حيث الجاذبية من الناحيتين المادية والاجتماعية، وتسمع في المناسبات الرسمية كلاما كثيرا عن كيف ان المدرس هو من يصنع ويعد جميع المهنيين، ولكن الكادر الوظيفي يجعلهم دون جميع المهنيين، ولكن مهنة الطب كادت ان تلحق بالتدريس، بعد ان أصبحت تندرج في باب «حضارات سادت ثم بادت» الذي اشتهرت به مجلة العربي الكويتية، وقد أتى على الأطباء حين من الدهر كانوا فيه محل حسد وغبطة، عندما كانوا ينعمون بالوجاهة الاجتماعية والشبع المادي، يوم كان الطبيب هو العريس النموذجي، وصاحب المستقبل المضمون، ونجم المجتمع، ويقضي معظم أوقات فراغه «بلّوشي» لأنه يدعى الى كل مناسبة ويتسابق الناس للتعرف عليه، ولكن زمانهم فات ومطربهم مات، فأجور الأطباء تدنت مقارنة بارتفاع كلفة المعيشة (وليس كل الأطباء يملكون مجمعات طبية)، وخريجو الطب الجدد منهم من يعمل لوجه الله طلبا للخبرة، والأنكى من ذلك ان الطبيب يعمل أحيانا 36 أو 48 ساعة متواصلة، وبالتالي فما من عاقل يزوج بنته لطبيب، لأنها قد تخلعه خلال شهر العسل، وإذا اجتازت مرحلة العسل قد تسِم بدنه بالنقنقة والشكوى ولهذا فإن الطبيب العاقل يتزوج طبيبة ويكون زواجهما أشبه بالمسيار، لأنهما يلتقيان مصادفة بين الحين والحين. ومصيبة الطبيب العربي الكبرى هي انه يتعامل مع مرضى كثيرين منهم على درجة رفيعة من الجلافة، يقول الطبيب للمريض إن ما به مجرد إرهاق ولا حاجة له بالدواء، فيشيع بين الناس أن الطبيب لا يفهم شيئا، وقبل بضع سنوات كان الطبيب الذي لا يوصي بحقن المريض بالإبرة يعد مستهترا وفاشلا، ومن هذا المنطلق كان المريض الذي يعالج بالحقن يعتبر حالته خطيرة، وهناك من يدخل على الطبيب ليشكو من زغللة في العيون ويتبرع بتشخيص علته قائلا: أظن عندي التهاب في الجيوب الأنفية وأريد بخاخا للأنف! بل هناك من يخبر الطبيب بلا مقدمات بانه في حاجة إلى عملية جراحية لإزالة المرارة، لأنه يحس بنفس ما كان يحس به مصطفى الذي تحسنت حالته بعد استئصال المرارة، وتحضرني هنا حكاية طبيب في مستشفى خاص اتصل به أحد زبائنه في ساعة متأخرة من الليل قائلا انه يعتقد أن زوجته تعاني من التهاب الزائدة الدودية، فرد الطبيب الذي كان على درجة عالية من النرفزة بشماتة: هل تعرف أن لكل إنسان زائدة دودية واحدة وان زوجتك استأصلت زائدتها الدودية قبل ستة أشهر؟ فرد عليه الرجل من الطرف الآخر: وهل تعرف أن لي زوجة ثانية؟ وفي الفولكلور العربي فإن الطبيب يعمل في النيابة العامة والقضاء لأنك كثيرا ما تسمع من يقول: الدكتور اتهمني بزائدة دودية/ دوالي الساقين. أما الأطباء النفسانيون العرب فلهم الجنة إن شاء الله لأنهم يصبرون على بلاوي منشؤها جهلنا بالأمراض النفسية، بسبب الاعتقاد السائد بان كل مريض نفسي مجنون، وان المرض النفسي عار وعيب كبير ينبغي التستر عليه، وبالتالي فان المرضى وأقاربهم يفشون غلهم في الأطباء النفسانيين لان الشفاء من العلل النفسية، لا يكون عادة إلا بعد معالجة طويلة يقع معظم عبئها على المريض وأقاربه، وهذا لا ينفع معنا لأننا نميل إلى رمي حملنا على الدكتور، وعليه وحده أن يجد لنا المخارج من الأمراض، ولهذا فان المريض العربي المطالب بالخضوع للعلاج الطبيعي أو الوظائفي لا يحصل على أي نتيجة لأنه ليس مستعدا للانتظام في أي برنامج طويل الأمد، ويتطلب منه القيام بتمارين في البيت، ويحكى أن جابر دخل على الطبيب النفساني وشكا له من انه بات يفقد أعصابه ويثور لأتفه الأسباب، فمال الطبيب إلى الوراء وسأله: حسنا قل لي ما هي مشكلتك؟ فرد عليه جابر: لقد كلمتك بها قبل قليل يا غبي. [email protected]