30 أكتوبر 2025
تسجيلملفات حقوق الإنسان في العراق تظل واحدة من أكثر الملفات غموضا لافتقارها للشفافية المطلوبة و اتصافها بسمة العشوائية وعبثية دوائر الدولة العراقية في التعامل مع هذا الملف الحساس وصلت لدرجة مرعبة من التجاوزات على القوانين والأنظمة والشرائع المحلية والدولية ، ولعل قضية المعتقلين من أقطاب النظام السابق تظل من القضايا المشهرة والتي تقف المساطر القانونية في حالة إرتباك واضحة أمامها، فبعد سلسلة من المحاكمات تم إعدام وجبات من مسؤولي النظام السابق ضمن خطوطه القيادية الأولى، فيما ظلت ملفات البعض الآخر تتأرجح بين الشد والجذب وتدور في حلقة مفرغة من حالة اللاوضوح والتردد في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق البعض وكانت تتضمن الإعدام أو السجن المؤبد، ولكن ملفا واحدا من بين الملفات ظل مثيرا لاهتمام الرأي العام الدولي خصوصا ؟ ، وهو ملف نائب رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية لسنوات طويلة والقيادي البعثي السابق طارق عزيز الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ردحا من الزمن سواء من خلال موقعه القيادي السابق في عمق النظام الذي كان أو في المصير الذي آل إليه لاحقا بعد احتلال العراق وحيث تم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة خلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة وحيث صدرت ضده أحكام عديدة بالإعدام والسجن لدوره المفترض في انتهاكات إرتكبها النظام السابق رغم أن دوره كان هامشيا في ذلك؟ فالرجل وإن كان عضو قيادة قطرية لحزب البعث إلا أنه لم يكن من الحلقة الضيقة جدا التي تصدر القرارات، بل كان شخصا تنفيذيا كلف بمهام السياسة الخارجية للدولة وليس لمهام أمنية أو قمعية أو إستخبارية ، وقد بلغ طارق عزيز من الكبر عتيا وتهاطلت عليه أمراض الشيخوخة من سكر وضغط و أمراض أخرى جعلت حياته داخل المعتقل رهيبة ، ورغم مناشدات الفاتيكان وهيئات دولية أخرى لحكومة نوري المالكي السابقة بإعادة النظر في الأحكام الصادرة ضده مع الأخذ بنظر الاعتبار حالته الصحية المتدهورة! إلا أنه لم تتم الإستجابة أبدا لأي مناشدة بل كان طارق عزيز هدفا تجاريا للأسف استغله الناطق الحكومي السابق علي الدباغ من خلال تسجيل لقاء متلفز قبل عامين تم بيعه لإحدى القنوات الفضائية العربية! وكان الجميع يتوقع إصدار قرار حكومي عراقي بشأن إطلاق سراح طارق عزيز لأسباب صحية وإنسانية إلا أن نوري المالكي بأحقاده المعروفة وسياسته الهمجية العدوانية لم تؤد لأي تطور إيجابي بل تم تناسي الموضوع بالكامل بعد الأحداث المريعة التي مرت بالعراق، اليوم وضمن إطار حالة الفوضى العراقية المستمرة تم نقل طارق عزيز لمعتقل آخر بدلا من معتقل الكاظمية البغدادي وهو معتقل الناصرية جنوبي العراق لأسباب أمنية كما يبدو وخوفا من فرار المعتقلين حيث تبدو الحالة الأمنية للحكومة العراقية مهزوزة بالكامل، وقد أصدرت عائلة طارق عزيز بيانا تدعو فيه العالم لتوفير ظروف إعتقال إنسانية على الأقل لطارق عزيز الذي منع عنه الدواء منذ أسابيع عديدة في ظل تدهور صحته بالكامل وإهمال كل المناشدات المحلية والدولية بحقه، فالعملية إنتقامية محضة وهي عبارة عن تعذيب بطيء لرجل يعيش حالة الإحتضار منذ فترة ليست بالقليلة وهو يموت عدة مرات يوميا، حكومة حيدر العبادي تائهة وحائرة ومترددة ولا تملك أي قرار بل تبدو متهربة من جميع الإستحقاقات اللازمة وفي حالة تيه شامل في ظل الأحداث السريعة والمتواصلة والخطيرة أيضا، ملف طارق عزيز يعود من جديد للواجهة والزمن يمضي سريعا والحكومة العراقية لا تستجيب لأية مناشدات فما زالت أحقاد الماضي سيدة الموقف، ولا زالت عقلية الانتقام سيدة الموقف، ولا زال القوم في العراق يتلذذون بتعذيب رجل ميت!. العدالة في العراق تسير في منهج معاكس لكل الشعارات والواجهات المرفوعة، وملفات المعتقلين وهم بالآلاف تظل شاهدا على همجية عقلية الإنتقام، وبناء حالة تصالحية وطنية عراقية تتطلب قرارات شجاعة وجريئة لا يبدو أن حكام العراق الحاليين جاهزون لها!؟فيا أيتها العدالة كم من المهازل والمآسي ترتكب باسمك؟فهل سنشهد انفراجة سياسية وقانونية وأخلاقية في ملف المريض طارق عزيز ليعيش أيامه الأخيرة بين أحضان أسرته؟ أم أن الصمت والتجاهل سيظل هو اللغة الحكومية السائدة في العراق؟.