10 سبتمبر 2025

تسجيل

يبكي القلب من كمدٍ

24 ديسمبر 2012

يقول أبو البقاء الرندي، في رثائه الحزين للأندلس "هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ / مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ".. حدث ذلك عندما أبصر الشاعر بداية انهيار الثقافة العربية والإسلامية بالأندلس، وتلاشي الهوية التي كان لابد لها أن تختفي مع مرور الدهر، وتتابع الأجيال، خاصة إذا فُقد ما يعزز البقاء والثبات. فعصر كالعصر الأندلسي، يُعتبر من أقوى العصور وأصلبها من جميع النواحي الحضارية والمعمارية والأدبية والتاريخية، ويمكن ملاحظة ذلك في الزمن الذي امتد إلى ما يقارب ثمانمائة سنة، كانت قرونا سمانا، جاءت لنا بأجمل الإرث الثقافي والأدبي، كالشعر، والموشحات والأغاني الجميلة، ويشهد العقد الفريد على ذلك. و لعل الأغنية على وجه خاص، تتضمن رسائل عميقة، إذ هي تعكس بوجهٍ أو بآخر، ثقافة أمة كاملة، بجميع همومها، وأفكارها، وأحزانها، وحتى طموحاتها وتطلعاتها، فهي ككتلة متكاملة، كلمة ولحنا وأداء، رسالة صريحة المحتوى، من فكر مجتمع معين، إلى المجتمعات الأخرى المحيطة. ولكن، كيف لو درجت أغان مضمحلة المستوى على حاشية الألسن، كأن يردد الجيل "وتحول برشلوني، وترك مدريد لأجلي"..!! هل يعقل هذا الانحدار السحيق في الاهتمامات العربية، إذا كانت تلك الأغاني تتكلم ذات اللغة؟ هل أصبح هم الإنسان العربي، نادي برشلونه وإنجازاته ومدريد ونجاحاته، هل هكذا نتعامل مع إرثنا الذي ضاع منا؟؟ بل وكيف للأغنية التي تخلد أصالة الجيل، وجزالة كلمته، ورصانة اللغة التي ينطق بها، وهي التي غالباً ما تكون فئتها المستهدفة، الشباب، إذ كنا نقول سالفاً: "غارت الشُهبُ بنا أو ربما / أثّرت فينا عيونُ النرجسِ" وأصبحنا نقول ما لا يمت لهويتنا بصلة، فنردد "حبيبي برشلوني"..!! إن الاطلاع على الثقافات الأخرى مطلب بحد ذاته، وأيضاً الاهتمام بالرياضة أمر محمود وجيد، ولكن كل ذلك، بدون أدنى فعل في تضييع الهوية العربية، إذ ان مفهوم الثقافة والهوية ارتبط بمصير واحد، فالثقافة أساس الحضارة، والهوية العنوان الذي تُعرف به بين الأمم، فإذا اضمحلت ثقافاتنا حتى أبصرنا ذوبانها في الثقافات الأخرى، نحن سنفقد هويتنا بلا شك، حتى نكاد ننسى التاريخ المشرف، الذي هو الآن، الأساس المتين لما نحن عليه. لعلنا في جيل أوعى من أن يتقبل مثل تلك الأغاني الهابطة، وبشخصيات أصلب من أن تؤثر عليها نتائج المباريات، حتى لا يكون لنا هم إلا أنه "ترك مدريد وتحول برشلوني"..