12 سبتمبر 2025
تسجيللقد منَّ الحق سبحانه وتعالى علينا بإنزال القرآن وتعليم البيان، فرفع به إنسانيتنا وأمرنا بعبادته على منهج النبوة، كما عرفنا صراطه المستقيم بما وهبنا من السمع والنظر والفكر، وبما نرى من تصرف غيرنا بالنعم، سعيا إلى استعباد الإنسان للإنسان، وتسخيره لإرادة حزب الشيطان بسلب اعتباره بالحق، وذلك بتغليب الضلال ليقتنع بالتقليد والتبعية ترغيبا وترهيبا، فصار الإنسان الذي كرمه الله تعالى عبدا ذليلا لهواه وشهواته وملذاته، فإن الخالق سبحانه وتعالى لم يسلب منه حواسه ولا إرادته، ولكنه رضي لنفسه المهانة، فلم يعتبر لاستغنائه بغير الله من حطام الدنيا عن الافتقار الى الله تعالى، فظن إن الغنى بالاكتساب لا بالكسب وبالتدليس والمكر لا بالاهتداء والاستقامة، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بطلب الثبات ويدعو الله تعالى به في سجوده، فالناس أولى وأحرى إلى ذلك، ومن أعظم الأسباب في تحقيق الثبات على الدين أن يعتصم المسلم بالكتاب والسنة، فإنهما الأصل وأساس الخير وحزام الأمان من الضلال بعد الهدى ومن الحور بعد الكور. فمن اعتصم بهما فقد هدي ومن استمسك بهما فقد فاز وأفلح، وقد ضمن الله تعالى لمن تمسك بهما أنه لا يضل ولا يشقى، وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة، فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه، الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض يقيم فيها موازين العدل، ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين، فإن الناس مختلفون في بناء أنفسهم وتأسيسها وتربيتها اختلافا بينا، فمنهم سابق للخيرات وهو من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان فربى نفسه على الطاعة والقرب وأدبها في البعد عن المعاصي والملذات، فهذا لا تضره فتنة ولا تزعزعه شبهة ولا تغلبه شهوة، صامد كالطود الشامخ فهم الحياة نعمة ونقمة يسرا وعسرا، ثم اجتهد في التوازن بين هذا وذاك، لأنه علم أن كل شيء بقدر وأن مع العسر يسر فضبط نفسه في الحالين، فلم يحزن على ما فات ولم يفرح بما هو آت، فتجده راضي النفس مطمئن الفؤاد لا تزعزعه المحن ولا تؤثر فيه الفتن بل يزرع الخير ويجني الفوائد.