11 سبتمبر 2025

تسجيل

المصالحة الخليجية وثمارها المبتغاة

24 نوفمبر 2014

واحد أنا من الملايين التي تابعت، بحماس وانفعال شديدين، بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بشأن الاتفاق التكميلي، والذي طوى للأبد، بحول الله تعالى، الخلافات الخليجية الخليجية، والتي كادت، في حال استمرارها، لا قدر الله، أن تتسبب في عرقلة مسيرة من التعاون والتناغم والتعاضد والتكاتف والتكامل، بين الدول الست التي تشكل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإجهاض أشواق شعوب المنطقة، والتي تقترب من التبلور في أرض الواقع، خلاصا من الفرقة والتباعد والتنائي. وهو ما تمت مقاربته عبر خطوات عملية في السنوات الأخيرة، وإن كانت هناك خطوات أكثر فعالية ما زالت مطلوبة في هذا السياق.وفي الوقت نفسه مناشدة القيادة المصرية بالتجاوب مع هذا الاتفاق وهو ما سارعت بإعلانه في بيان رسمي لمؤسسة الرئاسة في اليوم عينه وبعد ساعات وجيزة للغاية، وهو ما حمل إشارات باتجاه قرب مصالحة مصرية قطرية، إن أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها، والتي باتت في تقديري فريضة واجبة، حتى يكتمل عقد النظام الإقليمي العربي ويتخلص من داء الخلافات والتناحر والتنابذ بكل أشكاله، سياسيا وإعلاميا وفكريا، الأمر ما ألقى بظلاله السلبية على المشهد القومي العربي وقلص من رصيد التوافق. مما أسفر عن حالة من السيولة أسهمت إلى حد كبير في بروز الاضطرابات غير المسبوقة في التاريخ العربي التي تشهدها المنطقة، وفي المقدمة منها بلدان كبرى ومحورية فيها، فضلا عن تنامٍ مرعب للظاهرة الإرهابية. والتي تخلت عن السرية والعمل تحت الأرض إلى الخروج العلني والتمادي إلى حد الإعلان عن خلافة إسلامية.وتحديد مساحات وحدود جغرافية وممارسة كل أشكال السلطة وإن كانت بطريقة همجية لا تتسق مع جوهر المشروع الإسلامي الحقيقي. وفي مساء يوم صدور البيان السعودي والتجاوب المصري معه كنت طرفا في حوار ساخن في برنامج تلفزيوني بقناة القاهرة، والتي كانت تسمى فيما سبق بالقناة الثالثة التابعة التي يبثها التلفزيون المصري الرسمي واسمه "على المكشوف"، له صفحة عل موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك بالاسم نفسه، إلى جانب الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية ومنسق تحالف العدالة الاجتماعية. وتمحور النقاش حول تداعيات المصالحة الخليجية وانعكاسها على المصالحة المرتقبة بين مصر وقطر وبالطبع كنت منحازا لإتمامها في أسرع وقت، للمحافظة على النظام الإقليمي العربي المتداعي في الأساس. وطلبت من الطرفين جملة من المطالب، خاصة من المنابر الإعلامية لديهما والتي لعبت الدور الأشد سوءا في توسيع الفجوة، وتأجيج الخلافات عبر اللجوء إلى معالجات إعلامية تفتقر إلى المهنية، وتتبنى خطابا ديموجاجيا لا يراعي المصالح العليا للدولتين والشعبين، وهي في الأصل متشابكة ومتداخلة. وكان من بين ما اقترحته لإتمام هذه المصالحة وجعلها تمضي في سبيلها الصحيح، أن تقوم القيادة القطرية بتوجيه الدعوة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون ضيف شرف القمة الخليجية التي ستستضيفها الدوحة يومي التاسع والعاشر من شهر ديسمبر المقبل، وهو تقليد صاغته قطر في السنوات الماضية، حتى رغم اعتراض بعض الأطراف الأخرى في منظومة مجلس التعاون، ولعب دورا في بناء نسق من الاستقرار الإقليمي عندما وجهت الدعوة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمشاركة في قمة 2006 إن لم تخني الذاكرة.ورغم اعتراض الضيف الآخر في البرنامج على الاقتراح، إلا أنني دافعت عنه بقوة، باعتباره سيشكل خطوة من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها بين القاهرة والدوحة، خاصة بعد أن تسكت المنابر الإعلامية عن بث ما لا يليق بالعلاقات والاحترام المتبادل بين البلدين والشعبين، ورأيت أن من شأن هذه الدعوة أن تصب في خانة أهم وأوسع من العلاقات الثنائية، إلى بناء جدار قوي من التفاعل والتضامن في جدار النظام الإقليمي العربي. وقد عثرت على ما يدعم حجتي في تبني هذا المقترح خلال متابعتي لصحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر أمس الأول السبت، حيث فوجئت بمقال لرئيس تحريرها الأسبق طارق الحميد يتساءل في عنوانه: لماذا لا يكون السيسي ضيف قمة الدوحة؟ رأى فيه أن هذه الدعوة ستشكل إعلانا رسميا بالتفاف الخليج ككل مع مصر وحولها، وأنها ستكون خطوة بالاتجاه الصحيح، فمصر لا تترك ولا يستغنى عنها، ولا يمكن تخيل العرب وتحديدا الخليج العربي، من دون مصر، وهو لا يرى معضلة في أن تكون مثل هذه الدعوة بمثابة جزء من الأعراف الخليجية العاطفية.ويقول: "وليكن ذلك، فالعاطفة جزء من النسيج الذي يربط دول مجلس التعاون مع مصر وما يحتاجه الخليج هو الوقوف مع مصر التي تعني قوتها قوة العمق الخليجي". والأهم والأصح حسب منظوره أن هذه الدعوة ستكون بمثابة كسر للجليد بعد أربعة أعوام قاسية وصعبة وتحسبا للقادم وهو أصعب وأقسى ويتطلب علاقات خليجية مصرية مميزة.إن المرحلة الراهنة بكل ما تنطوي عليه من مخاطر – الكلام لكاتب هذه السطور- تستوجب القفز على أي خلافات، والتي لا يتعين أن تستمر تحت أي مبررات، خاصة بين مصر وقطر، في ظل قدرتها المشتركة على تجاوز أي تفاعلات وتداعيات سلبية، بحكم المقومات الكامنة فيهما، والقائمة على إدراك واسع للأبعاد التاريخية والشعبية لعلاقاتهما الثنائية، فضلا عن حجم المصالح المشتركة التي تجمع بينهما. والأمر بات مرهونا في منظوري بالعمل بجدية وصدق على تحييد المنابر الإعلامية المعروفة لدى الجانبين، عن ملف هذه العلاقات والتي طالبتها مرارا في برامج حوارية بمحطات فضائية مصرية بالخروج من الدائرة الضيقة والمفردات الخارجة عن المألوف والمفاهيم غير الصحيحة وضرورة التمسك بالقواعد والأعراف المهنية باعتبارها المعيار الذي يقدم كل الرؤى دون انحياز منهجي ومتعمد لهذا الطرف أو ذاك في الصراع السياسي الدائر في المحروسة والأهم هو أن تولي هذه المنابر الأولوية لكيفية طي صفحة الخلافات، وفق ما طرحه العاهل السعودي في بيانه، وردّ مؤسسة الرئاسة المصرية، وكلاهما أبدى أملا في أن تدرك هذه المنابر الإعلامية ورجال الفكر والسياسي دقة المرحلة وخطورتها. وما تمر به الأمة العربية من تحديات وتهديدات على نحو يغير من مسارها ومناهجها. ولاشك لديّ أن الدولتين قادرتان على التعاطي مع مختلف القضايا التي تشكل مصدرا لخلافاتهما، فالتاريخ علمنا أنه ليس ثمة خلاف غير قابل للاحتواء والتجاوز إن صدقت نوايا أطرافه وتوافرت الإرادة الحقيقية لطيه وإغلاق ملفاته مهما كان حجمها ومرارتها.لقد انطلقت مسيرة المصالحة الخليجية، والتي حظيت بإجماع كل دول منظومة مجلس التعاون في قمة الرياض الاستثنائية مساء الأحد قبل الماضي والتي أظنها وضعت الأسس العملية لانطلاقها، عبر عودة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، وذلك شكل في حد ذاته انتصارا لخيار المحافظة على تماسك المنظومة الخليجية حتى تبقى قوية فاعلة. وتمضي في الاتجاه الذي رسمه الآباء المؤسسون لبلورة كيان خليجي، يحقق التعاون مرورا بالتكامل وصولا إلى صيغة الاتحاد والتي ما زالت تخضع للدراسة العميقة في اللجنة المعنية المشكلة من ممثلي دول المجلس بعد اقتراح الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي طرحه قبل سنوات عندما أدرك أن الوقت حان بعد ثلاثة وثلاثين عاما للانخراط في عملية وحدوية تبدأ بالاتحاد الخليجي.وفي الختام لديَّ رغبة وشوق في أن يلبيه العاهل السعودي الملك عبد الله، وهو صاحب الحسّ القومي الأصيل، في أن يجمع القيادتين المصرية والقطرية في قمة برعايته، ولتكن في مكة المكرمة، قرب بيت الله، ليحيطها بعنايته الإلهية، ولا أظن أن أيا من القيادتين سيرفض ذلك إن طلبه منهما خادم الحرمين الشريفين.