12 سبتمبر 2025

تسجيل

تركض بكل ياسمينها

24 نوفمبر 2013

في الصيف كانت ترتدي فستقها الحلبي بطقوس لا تليق إلا بها ولا تدل إلا عليها، يصطفّ الباعة على مسافة متساوية ومتوازية من بعضهم بعضًا في الشارع المؤدي الى جناحي "دُمّر والهامة"، يضيئون ليلهم وانتظارهم فوق الأطباق المستديرة، وأنت لا تقاوم هذا الطعم الطازج المُنكه بنسمات أيلول وليله. لماذا أنتِ يا دمشق في نعناع ألوانك تضجين بالحنين والتوت الشامي الذي يسوقه الباعة مع ألواح من الثلج، يبرشونه للشارب ويصبّون فوقه ما سال من كومة التوت المُجمّع فوق عرباتهم؟! تشرب من توتها وتعود إليها أنىّ رحلتْ.. هي دمشق من لا يعرفها يتخيلها في أي زند عصيّ وجبين مرفوع. من لا يعرفها يراها في أي عين حوراء وخطوة تيّاهة. من لا يعرفها يراها في حلال الأبيض على أصابع المدرسين وألوان المخامل من الدراق والمشمش. دمشقنا هذه لا تنام حتى تطمئن على بزوغ الشمس، فلربما أخذتها غفوة ولم تستيقظ باكرًا فما عسى دمشق أن تفعل حينذاك؟! إنها تستعد فوراً للصعود، متأهبةً على الدوام لتُرمم الأشياء وتصحح الخلل وتحمي كفّتي الميزان لأحبابها، وتحافظ على شعرة معاوية مع خصومها. في شارع "الميدان" ليلًا، أو عند جهجهة الفجر كنت ترى جمهرة من الفنانين والموسيقيين، أتوا ليفطروا فولاً مدمسًا وخبزاً مرقوقًا. تنام كل العيون وعيون دمشق لا تنام. حين أتيتها صبيةً من طفولة غربتي لم يقف أمامي غيرها، تلحق بي في كل مكان، إذا حصل وتركتني يوماً أراها عن بُعدٍ تترصد خُطاي، وتحرس تعثري، وتركض بكل ياسمينها، وفُلّها، لو زلّتْ بي القدم وتعفّر الجينزُ قليلا .. تلُمّني وتُرتب ما شعث من شعري وتُحمّلُني كتبي وتقول: انتبهي، وتضع على جبيني قبلة السلامة. دمشق هذه أيقونتي الغالية، دعوها لي جميعكم، أرجوكم، لأنني ربيتُ قلبي من صغره أن يكبُر على قدرها، ويعلو بطول قامتها، ويُضيء بمساحة نجومها.