15 سبتمبر 2025
تسجيلكما هو الحال مع بقية اقتصادات العالم، فإن المستجدات الحديثة تفرض أجندتها على الاقتصادات الخليجية، فالتعرفة الجمركية والسوق الخليجية الموحدة لها متطلباتها، هذا عدا التطورات الملاحقة والسريعة في صناعة الطاقة والتي أفرزت أوضاعا جديدة لا يمكن تجاهلها. من هنا جاء تصريح وزير النفط العماني والتي شدد فيها على أنه لابد من إعادة النظر في أسعار الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي لوقف الهدر في الاستخدام والناجم أساسا عن رخص الأسعار وعدم الوعي بأهمية مصادر الطاقة المحدودة والمكلفة. وفي الوقت الحاضر، فإن أسعار المحروقات تتفاوت بصورة كبيرة بين دول المجلس، حيث تتراوح ما بين 60 – 172 فلسا للجالون لبنزين السيارات على سبيل المثال، كما أن هناك تفاوتا في أسعار الديزل، أما أسعار الكهرباء، فإنها أكثر تقاربا، إلا أن هذا التفاوت لا يستقيم مع السوق الخليجية المشتركة التي اتخذت دول المجلس خطوات عملية لاستكمالها، مما يعني أن تداعيات سلبية ستترتب على الاقتصادات المحلية في حال استمرار هذا التفاوت، حيث بدأت في البروز بعض الظواهر السلبية من خلال عمليات التهريب عبر الحدود والتي من الصعب وقفها. من هنا وضعت دول المجلس نصب عينيها مؤخرا توحيد أسعار الطاقة، وهو توجه إيجابي وسيساهم في دعم السوق المشتركة وتقريب تكاليف الإنتاج والنقل والقضاء نهائيا على التهريب الذي يضر بالاقتصادات الخليجية. ومع أهمية عملية التوحيد، إلا أن ذلك لن يكون أمرا سهلا ويسيرا، خصوصا وأن دعم أسعار الطاقة كبير في كافة دول المجلس الست وتكلف الخزانات الحكومية مبالغ طائلة سنويا، فدولة الكويت وحدها تقدم دعما سنويا للسلع والخدمات بقيمة 16 مليار دولار، مما يعني أن عملية التوحيد مطلوبة لأسباب اقتصادية ومالية تتطلبها الظروف الراهنة والمستقبلية. وفيما يتعلق بتوحيد الأسعار، فإنه يتوقع أن تسير باتجاه الأسعار الأعلى إذا فسر بصورة صحيحة تصريح الوزير العماني، إلا أن ذلك لابد وأن يكون متدرجا ومدروسا، فالتجارب السابقة تبين أن أسعار السلع والخدمات سرعان ما ترتفع بضعف ارتفاع أسعار المحروقات حتى وإن لم تكن هناك أسباب موضوعية قوية لارتفاع أسعار السلع، مما يتطلب من وزارات الاقتصاد والتجارة وضع ضوابط ومراقبة الأسواق والأسعار والتي لا يمكن السماح لها بتجاوز نسبة زيادة المحروقات في حالات الضرورة. وإلى جانب ذلك يمكن النظر في إمكانية صرف بدل طاقة لذوي الدخل المحدود في دول المجلس، وذلك لضبط الجوانب الاجتماعية التي قد تنجم عن هذه الزيادات، فالدعم الحالي تستفيد منه كافة فئات المجتمع، كما تستفيد منه الشركات وقطاع الأعمال المعفى من أي شكل من أشكال الضرائب، وهو القادر على دفع أسعار أكثر مناسبة لتكاليف إنتاج الطاقة. وبالنسبة للتدرج في توحيد الأسعار، فإنه يمكن أن يمتد على فترة ثلاث سنوات، أي حتى عام 2017 وهو موعد تشغيل القطار الخليجي والذي سيلعب دورا محوريا في انتقال السلع بين دول المجلس، وبالتالي تخفيض تكاليف النقل والتي عادة ما تكون سببا في ارتفاع الأسعار. وإلى جانب ذلك لابد وأن تواكب عملية التوحيد حملة توعية في كافة دول المجلس لشرح أهمية هذه الخطوة لتكامل الاقتصادات الخليجية والحد من هدر الطاقة والمياه والمحافظة عليهما ضمن التوجهات الرامية إلى تعزيز قاعدة التنمية المستدامة من خلال المحافظة على الموارد الطبيعية، بما فيها موارد الطاقة وحسن استخدامها بما يلبي الاحتياجات الحالية دون مبالغة ويحفظ حق الأجيال القادمة. من المعروف أن معدل استهلاك الطاقة والمياه في دول المجلس من أعلى المعدلات في العالم، إذ لا يعود بالضرورة إلى الاحتياجات الفعلية، وإنما إلى الهدر من قبل المستهلكين والذي أضحى لا يتناسب لا مع التقدم الاقتصادي ويأتي على حساب التنمية المستدامة في دول المجلس.