16 سبتمبر 2025

تسجيل

الغضب

24 أكتوبر 2014

يقول المتنبي: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله، أما الإمام الشافعي فقد قال: (من اُستغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضيَ ولم يرضَ فهو شيطان)، والغضب من أكثر الانفعالات تأثيراً على حياة الإنسان، وإذا كان الغضب انفعالاً تشترك به الحيوانات معنا، ويتسبب في فقدان قدرة الإنسان على ضبط نفسه وفقدانه لبوصله الإدراك السليم لحظته، إلا أن علماء النفس يعدونه انفعالاً له قيمة وظيفية، من أجل البقاء على قيد الحياة والاستمرار فيها، خاصة عندما تحدق المخاطر بالإنسان وتهدد وجوده.. وقد صنف علماء النفس الغضب الى ثلاثة أنواع؛ (الغضب السريع والمفاجئ) والذي اعتبروه ضرورياً للحفاظ على النفس، وهو مشترك بين البشر والحيوانات، والغضب الذي يدعى (المتأني والمتعمد) وهو رد فعل على تصور الضرر المتعمد أو المعاملة غير العادلة من قبل الآخرين، أما النوع الثالث من الغضب فمرتبط بالمميزات الشخصية أكثر من الغرائز أو الإدراك، كأن يكون الشخص غضوباً بطبعه. لكن الغضب عُد على الدوام صفة مذمومة لا تأتي لصاحبها إلا بالندم والقدح، وقد تحدث الفلاسفة اليونانيون القدماء مثل جالينوس وسينيكا عن الغضب واعتبروه نوعاً من الجنون، فالفيلسوف سينيكا عد الغضب بأنه (لا طائل منه حتى للحرب) وأن الجيش الروماني كان دائما قادراً على الفوز على الألمان، الذين كانوا معروفين بغضبهم، وقد أمعن في انتقاد الغضب، حتى إنه قال: (حتى في المسابقات الرياضية من الخطأ أن تغضب). لكن أرسطو اعتبر الغضب مفيداً أحياناُ لمنع الظلم واعتقد أن نقيض الغضب هو عدم الأحساس، ونقص الرجولة، أما الغضب في المسيحية فهو أحد الخطايا السبع المميتة، وقد وصف القديس باسيليوس الغضب بأنه جنون مؤقت يستحق الأنكار والذم. وفي الديانة الهندوسية اُعتبر الغضب بأنه يتساوى مع الحزن، بوصفه انفعال سلبي، أما في البوذية فيعرف على أنه (عدم القدرة على تحمل الشيء، أو نية إلحاق الضرر بالشيء). وفي الدين الحنيف يعد كظم الغضب من الفضائل التي ميز الله تعالى المؤمنين بها بقوله: (والكاظمين الغيظ)، وأوصانا بها الرسول الكريم حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب). وقد قالت العرب: (الغضب غَول الحلم)، أي: مهلكه، لأنه يغتاله ويذهب به، وكلُّ شيء أَهْلَكَ شيئًا فقد غَالَهُ؛ ويقال: أي غَول أغول من الغضب؟ وقد تحدث الفلاسفة والحكماء المسلمون طويلاً عن الغضب، حتى إن الإمام الغزالي اعتبر أن الغضب يأخذ شكل الثورة والسخط والانتقام، وبأن (قوى الروح تصبح متوازنة، إذا ظل الغضب تحت السيطرة). وقد صنف أبو حيان التوحيدي الغضب على ثلاث مراتب (تفريط، وإفراط، واعتدال) وأعتبر أن الأولين مذمومان، فكلا طرفي الأمور ذميم، والاعتدال في الغضب هو المرتبة المحمودة. وقد وصف أبو حيان التوحيدي كذلك الغضبان بقوله: إن الغضبان خارج الصورة عن الاعتدال، أما تراه جاحظ العينين، بادي العروق، دارَّ الأوداج، مضطرب الأوصال، مشوه البنية، مختلف الحركة، مكدود النفس، حار المزاج، مضطرم الحرارة، مدخول الروية، غامر الفكرة، ظاهر العجز، جاهلاً بقدر الحق. كما قال أبو حاتم البستي (صاحب كتاب تفسير القرآن): سرعة الغضب من شيم الحمقى، كما أن مجانبته من زي العقلاء؛ والغضب بِذر الندم، فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح ما أفسد به بعد الغضب. وقد قال بعض الحكماء: لكل شيء آفة، وآفة الغضب الغيظ، وقد قال أحد حكماء العرب: إياك وجرأة الغضب، فإنَّها تصيرك إلى ذل الاعتذار؛ وقال آخر: إن أطعت الغضب أضعت الأدب؛ وإذا جاء الغضب كان فيه العطب.. وقد أوصى أحد الْحُكَمَاءِ ابْنِهِ بقوله: (يَا بُنَيَّ، احْتَفِظْ مِنَ النَّزَقِ عِنْدَ سَوْرَةِ الْغَضَبِ؛ فَإِنَّكَ مَتَى افْتَتَحْتَ بَدْوَ غَضَبِكَ بِكَظْمٍ، خُتِمَتْ عَاقِبَتُهُ بِالْحِلْمِ؛ وَمَتَى افْتَتَحْتَهُ بِالْقَلَقِ وَالضَّجَرِ، خَتَمْتَهُ بِالسَّفَهِ؛ وَإِذَا حَاجَجْتَ فَلا تَغْضَبْ؛ فَإِنَّ الْغَضَبَ يَقْطَعُ الْحُجَّةَ، وَيُظْهِرُ عَلَيْكَ الْخَصْمَ).