11 سبتمبر 2025

تسجيل

بالبريد المستعجل الى صالح وبشار: هل بلغتكما الرسالة ؟

24 أكتوبر 2011

لست في معرض الشماتة في العقيد معمر القذافي الذي دفع ثمن عناده ورفضه للثورة وعدم تصديقه بأن ثمة من يناهضونه. فقد كان على يقين أنه القائد والأب وملك ملوك إفريقيا وعميد الزعماء العرب ووصل به الأمر إلى حد اقتناعه بأنه معبود الشعب الليبي على حد قوله لغير مسؤول أجنبي زاره في الأشهر الأولى التي أعقبت اندلاع الثورة في السابع عشر من فبراير المنصرم التي وصف القائمين بها بأنهم محض جرزان وأنه وزمرته قادرون على محوها من الوجود. لقد جاءت نهاية القذافي التي يستحقها بكل تأكيد شديدة المأساوية خاصة أنه تم العثور عليه في أنبوب للصرف الصحي وهو مصير أبدى فزعا مهولا منه عندما شاهد عبر شاشات التلفاز القوات الأمريكية تمسك بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حفرة بإحدى المناطق القريبة من بغداد مما دفعه إلى الإسراع إلى تقديم تنازلات إلى الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بخطط كان يعدها لامتلاك السلاح النووي. لقد وضع العقيد غير المأسوف عليه نفسه في مواجهة مع الثورة ولم يتجاوب مع مطالبها التي أعلنها الشباب الليبي في بدايتها فسارع إلى تبني منهجية القتل والاعتداء من دون رحمة ومن مدينة إلى مدينة وشارع إلى شارع ومن حي إلى حي ومن زنقة إلى زنقة حسب وصفه معلنا أنه سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه منطلقا في هذا الفهم المغلوط الناجم عن تضخم شديد في الذات وعجز عن القراءة الصحيحة لمفردات الواقع الثوري الجديد إلى أن ليبيا ليست تونس أو مصر اللتين نجحت الثورة فيهما في إقصاء سريع لديكتاتوريين يعدان من أعتى الحكام في المنطقة هما زين العابدين بن علي وحسني مبارك وأنه ليس رئيسا فلو كان كذلك لقذف باستقالته فورا في وجوه المحتجين وإنما هو زعيم من نوعية أخرى وحاكم أعلى وقائد ثورة ومن ثم- وفق فهمه- فإنه لا ينبغي لأحد أن يثور على قائد ثورة أو يقلل من شأنه بل يتعين أن يترك وشأنه فهو القادر على فهم مطالب الشعب الليبي الذي يتعرض لمؤامرة كبرى من القوى الإمبريالية التي سيتصدى لها بكل قوة كما تصدى للقوى الكبرى على مدى أربعين عاما. لقد أحاطت بالقذافي نخبة من المنتفعين وربما من المقتنعين به زعيما استثنائيا من فرط ما يغدقه عليهم من أموال ومناصب أو ربما لتصديقهم خطابه وأفكاره المدهشة التي كان يفاجئهم بها بين الوقت والآخر وبالذات بعد أن تخلى عن الروح الثورية الحقيقية التي تلبسته بعد الأول من سبتمبر من العام 1969 وهو اليوم الذي قاد فيه مجموعة من رفاقه الضباط الأحرار في الجيش الليبي وتمكن من إسقاط الملكية مما اعتبره الكثيرون تحولا نوعيا في مسار الفعل العربي القومي بعد الهزيمة المدوية التي لحقت بالجيوش العربية خلال العدوان الصهيوني على مصر وسوريا والأردن في يونيو من العام 1967 فقد كان آنذاك ما زال متلفعا بعباءة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والذي رأى فيه شبابه على حد قوله خلال زيارة لطرابلس. ولاشك أن هذه النخبة أسهمت في رسم ملامح تميز وهمي في شخصيته وأنه خليفة ناصر فتراكمت لديه حالة نرجسية لم يتمتع بها زعيم من قبل بما في ذلك زعماء مثل هتلر وموسليني وغيرهما من عتاة الحكام في العالم فصدق ذلك أو بالأحرى كان لديه استعداد لأن يصدقه بالرغم من أنه لم يكن يمتلك المقومات الحقيقية لأن يكون زعيما أو قائد ثورة وهو ما تجلى في التخبط الذي كان يسود قراراته وتصوراته لليبيا ولفكرة الوحدة العربية التي سيطرت عليه لسنوات طويلة دون أن يعي متطلباتها الجوهرية. لقد كان القذافي مسكونا حتى الثمالة بالهاجس الأمني الذي هيمن على مفردات حياته إلى درجة أنه يتنقل بين ليلة وأخرى من موقع إلى آخر ولا يلتزم بالمواعيد الرسمية المحددة سلفا للقاء رؤساء دول وكبار مسؤولين من الخارج فلم يكن يشعر بالحرج في تأخيرهم لساعات طويلة قيل إنه يلتقيهم فجأة حتى لا يتعرض لاعتداء واضعا في حسبانه الهجوم الأمريكي على مقر إقامته بالعزيزية في ثمانينيات القرن الفائت. وأتذكر في هذا السياق أنني كنت برفقة وفد المنظمات والاتحادات المهنية العربية الذي زار ليبيا في العام نهايات يونيو 1997 - إن لم تخني الذاكرة -والذي كان يرأسه الراحل سعد الدين وهبة ساعيا إلى إظهار التضامن العربي مع ليبيا التي كانت تتعرض لحصار شديد الوطأة من قبل الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب وتوجهنا إلى مدينة سرت حيث كان موعدنا مع القائد وفق التعبير الذي كان يطلق عليه آنذاك في نحو العاشرة صباحا- إن لم تخني الذاكرة مرة أخرى – بيد أننا أمضينا في الفندق ساعات النهار بأكمله وأخيرا في السادسة مساء طلبونا بسرعة للقاء القذافي والذي أدهشتني بساطته في اللقاء سواء فيما يرتديه من ملابس لا تبدو غالية أو من الماركات العالمية وإنما هي مجرد بدلة نصف كم أقرب إلى اللون الكاكي وكان يحيط به نفر من المرافقين له لو قابلهم المرء في الخارج لما صدق أنهم من المقربين من رئيس دولة أو قائد ثورة من فرط هشاشة هندامهم وسذاجة وجوههم لكني لاحظت أنه هو الذي يوجه الهتافات ويرسل إشارات معينة لكل هتاف تطلقه مجموعة من الشباب الذين جاءوا خصيصا من مختلف المدن الليبية وقد اكتشفت أن ثمة من رافقونا بالطائرة من طرابلس إلى سرت كانوا من ضمن هذه المجموعات المخصصة للهتاف للقائد. ولاشك أن العقيد القذافي لو تمسك بخطه القومي الحقيقي الذي تجلى بعد الأول من سبتمبر من العام 1969 ونفذ مخططا للعدالة الاجتماعية حسبما كان يعلن في خطبه الأولى وأجرى تحولات جوهرية في بنية المجتمع الليبي قليل السكان وكثير الموارد وانحاز لحرية التعبير والمشاركة الحقيقية للشعب في السلطة ولم يحول منظومة الحكم في بلاده إلى صبغة عائلية موزعا المناصب والمواقع المهمة في الدولة بين أفراد أسرته بل إنه عمل على تقليص وضعية الجيش الوطني لصالح كتائب أشبه بميليشيات بقيادة عدد من أبنائه وتخلى عن أوهام دوره العالمي والذي أهدر فيه ثروات الشعب الليبي التي كان بوسعها أن تحول بلاده إلى واحدة من أكثر دول المنطقة نموا وتقدما لأمكنه أن يدخل التاريخ من بوابة تجمعه مع ناصر ومانديلا وغيرهما من الزعماء الذين انحازوا إلى الجماهير وإلى البناء والمصالحة لكنه للأسف أصابته اللعنة مبكرا وظن أنه المخلص الأوحد ودونه الطوفان والفوضى فمضى في غيه سادرا رافضا لأي نصائح متمسكا بضيق أفق يحكم رؤيته لوطنه وشعبه وللعالم فخسر الدنيا والآخرة. والمرء يتساءل في ضوء قراءة ما سبق: هل يمكن أن تبلغ الرسالة كلا من علي عبد الله صالح في اليمن وبشار الأسد في سوريا؟ وهل بمقدورهما أن يعيدا ترتيب أوراقهما قبل أن تجف دماء القذافي ليسارعا إلى التجاوب مع مطالب شعبيهما ويتخليا عن رفقاء السوء الذين يحيطون بهما ويؤكدون أنهما ليس العقيد القذافي وبلادهما ليست ليبيا والمفارقة أن مبارك وزبانية حكمه كانوا يرددون نفس العبارة تقريبا وهي أن مصر ليست تونس ومبارك ليس بن علي والعقيد نفسه رأى أنه مختلف عن مبارك وبن علي وهل يدرك صالح وبشار قبل فوات الأوان أن إرادة الشعوب من إرادة الله ويقبلان بالحتمية التاريخية التي لم يفسد معناها ودلالاتها أبداً على مدى ما عاشته البشرية ومؤداها أنه لا يمكن أن يقف حاكم في وجه ثورة الشعب وليس بمقدور حاكم أن يستمر على رأس السلطة وهو يمارس القتل والقمع واغتيال أشواق الشعب فأي شرعية يمكن أن تنبثق من جماجم البشر والدماء المسفوكة أظن أن الرسالة بالبريد المستعجل وصلت إلى قصري صالح في صنعاء وبشار في دمشق غير أنني أخشى ألا يقوم العسس والبصاصون بإبلاغها لهما في التوقيت المناسب. السطر الأخير: سافرت إليك بادرتك بعشقي كتبتك في دفاتري شعرا حلمت بك أميرة لقلبي قاسمتك خبزي وبهجتي ووجعي أحيانا فلا تحاصريني لاتكوني قبضة أوسيفا أو حقل صبار لا تكوني جذع نخلة يابسة أو رشق سكين أو طعنة خنجر من رحم قلب جبار كوني امرأة للحلم شمسا تورق إطلالة النهار [email protected]