17 سبتمبر 2025

تسجيل

القيروان مهد الطب الإسلامي بلا مستشفى!

24 سبتمبر 2018

أول مدرسة للطب والصيدلة والجراحة وطب الأطفال في العالم الإسلامي نشأت في مدينة عقبة بن نافع القيروان قلعة العرب الأولى في إفريقية وعاصمتها التي أسسها الفاتحون العرب سنة 50 هجريا وكانت هي المدينة التي انطلقت منها الفتوحات نحو الأندلس والقارة السمراء وجنوب الصحراء لنشر راية الإسلام وفيها ولد الأطباء الأعلام وأنشأوا بيت الحكمة وأشهرهم أحمد ابن الجزار بمؤلفاته وترجماته وثانيهم ابن عمه محمد بن الجزار عالم النفس معالج الأطفال صاحب كتاب (سياسة الصبيان وتدبيرهم) الذي ظل يدرس للطلاب في أوروبا الى القرن العشرين وفي القيروان تأسست مدرسة الجراحة واكتشف علماء الآثار في ستينات القرن الماضي في مقبرة القيروان جماجم تعود إلى ألف عام أجريت عليها عمليات فتح الجمجمة والذي يزور متحف سوسة الأغلبية يكتشف مشارط الجراحة التي استعملها ابن الجزار وتلاميذه للجراحة وهي متقدمة على عصر النهضة الأوروبية بقرون ! والذي لا يعرف ابن الجزار نقدمه كما قدمه الذهبي في كتاب (سير أعلام النبلاء) حيث قال إنه عاش بين 895م و980م (285هجريا و369 هجريا) أي عاش 85 سنة وهو أبو جَعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد، ويُعرَف بابن الجزَّار من أهل القيروان طَبيبٌ ومؤرِّخ وابنُ طَبيب. ومن أشهر أطبَّاء وعُلَماء القَرن الرَّابِع الهجري. قال عنه الذَّهبِي في كتاب سِيَر أَعلام النُّبَلاء: "ابنُ الجزَّار الفَيلسوف الباهِر وشَيخ الطبِّ في القيروان من ولايات تُونس لأُسرة اشتُهر أهلُها بالطبِّ كانَ من أهل الحِفظ والتطلُّع والدِّراسة لسائر العلوم، حسن الفَهم لها لم تُعرَف له زَلَّة في مُمارَسة الطبِّ عَفيفاً نَزيها لا يَتَقاضى على تَطبيبِ أجراً تَتَلمذَ ابنُ الجزَّار على أيدي أبيه وعمِّه وكانا طَبيبَين حاذقَين الأوَّل في طبِّ العيون والثَّاني في الجِراحَة كما تتلمذَ على يد طبيبٍ شَهير في عصره هو إسحاق بن سُلَيمان وكذلك إسحاق بن عُمران. قالَ عنه سُلَيمان بن حسَّان، المعروف بابن جُلجُل "إنَّ أحمدَ بن الجزار كان قد أخذَ لنفسِه مَأخذاً عَجيباً في سمته وهَديه وتَعبده ولم تحفَظ عنه بالقَيروان زَلَّة قط ولا أَخلدَ إلى لَذَّة وكان يَشهد الجنائزَ والعرائس ولا يأكل فيها ولا يَركب قط إلى أحدٍ من رجال إفريقية ولا إلى سُلطان إلاَّ إلى أبي طالب وكان له صَديقاً قَديماً". وترجمَ ابنُ الجزَّار عدداً من كتب الأطبَّاء اليونانيين، مثل  كِتاب‏ "المقالات الخمس‏"‏ لديسقوريدس، وكتاب‏ "المقالات الست في الأدوية المفردة" ‏لجالينوس واطَّلعَ على كتب العَديدِ من عُلَماء العَرب والمُسلِمين في الطبِّ والصيدلة وعلوم الحياة وغيرها. هذه نبذة موجزة من تاريخ المجد العلمي لمدينة القيروان التي أنجبت أيضا الفاتحين والعلماء وأئمة الفقه المالكي والأدباء إلى يوم الناس، الغريب أن أصدقائي الأفاضل من أبنائها معتصمون سلميا هذه الأيام في المستشفى الذي يحمل اسم ابن الجزار وهو الذي عرفناه منذ تأسيسه في عهد الاستعمار كما هو لم تطوره ولم تعتن به وزارات الصحة منذ الاستقلال 1956 الى اليوم فهو يتداعى للسقوط ولا يوجد فيه لا طبيب إنعاش ولا جراح ولا طبيب تخدير فهل بهذا العقوق والتجاهل تكافأ القيروان؟ وأنا حين أقول في عنوان المقال (بدون مستشفى) فهي الحقيقة لأننا نجد في المدن الأخرى مستشفيات جامعية كاملة الطواقم الطبية والتخصصات وسبق منذ سنوات أن وعد وزير من وزراء الصحة بأن السعودية تبرعت بتكاليف بناء مستشفى جديد ولم ير القيروانيون للوعد إنجازا ورفعوا شعار (أين المستشفى؟) واعتصموا وكتبوا العريضة تلو العريضة وبحت حناجر شيوخهم محسن بن رجب وعبد الجليل الكيلاني وغيرهما من الذين لم يغادروا القيروان ولم تجد اعتصاماتهم نفعا! وأنا ابن القيروان عولجت في نفس المستشفى منذ عقود وهو كما تركناه في الخمسينات ولم تضف اليه حكوماتنا التي همشت القيروان أي قسم جديد أو مرفق حديث أو جهاز سكانر أو سيارة إسعاف أو طبيب اختصاص؟ العجيب أن مدينتي ماضيها أجمل من حاضرها هذا بالإضافة إلى أنها الولاية الأكثر فقرا في الجمهورية حسب تصنيف رسمي والتي ضربت الأرقام القياسية في جرائم العنف وفي انتحار الشباب وتهجير الأدمغة عبر البحر مع مناطق أخرى مهملة ومنسية! إنني أوجه ندائي لكل المسلمين لأن القيروان جزء من أمجادهم وإلى الحكومة الحالية لكي تتحمل مسؤولياتها إزاء محنة الحضارة في إحدى قلاع الحضارة حتى لا يكون الانهيار المبرمج لعاصمة الأغالبة وصمة عار في جبين جيل كامل!.