11 سبتمبر 2025

تسجيل

فرحة العيد

24 سبتمبر 2015

إن الحق سبحانه وتعالى جعل أمة الإسلام خير الأمم فخصها بعبادات وقربات يخلص فيها العبد لربه فيسأله الجنة ويتعوذ به من النار عندئذ يتجلى الحق على عباده فيجعل لهم أيام خير وبركة خير في الطاعة وبركة في العمر والأولاد والأموال إنها أيام الله التي منَّ الله بها على عباده ليتزودوا وخير الزاد التقوى ويكفي هذه الأيام شرفا يوم عرفة الذي يتجمع الحجيج فيه على عرفات الله بلباس واحد هو لباس الإحرام في مقام واحد هو مقام العزة والإكرام ويوم النحر الذي يفرح فيه المسلمون بعيدهم الأضحى فينحرون قربة لله تعالى ويتوادون فيما بينهم ففي ظلال هذه الهداية ينضر العيش وتطيب الحياة ويهنأ الأحياء وأولى الخطوات نحو هذه الحياة الراشدة الهنيئة إيجاد الفرد المسلم الصادق الذي تتمثل فيه صورة الإسلام المضيئة المشرقة يراها الناس فيرون الإسلام ويتعاملون معها فيزدادون إيمانا به وإقبالا عليه، ومن هنا يزن أعماله بميزان مرضاة الله عز وجل فما رجحت به كفة هذا الميزان قبله وارتضاه وما شلت به الكفة أعرض عنه وجفاه وبذلك تستقيم مقاييس المسلم وتتضح أمام عينيه معالم الطريق المستقيم والسبيل القويم.إن فريضة الحج من الفرائض التي تظهر عظمة الإسلام والمسلمين الإسلام في عدله ورفقه والمسلمون في اتحادهم وترابطهم وتعاونهم، فالحج موسم عظيم تتجسد فيه وحدة المسلمين في أحسن مظاهرها وأبهى حللها، حيث تذوب الفوارق وتتلاشى الحواجز ويجتمع المسلمون في مشهد رائع يبعث السرور ويسعد النفوس ويبهج الأرواح، الناس سواسية لا فرق بين أبيض ولا أسمر و لا بين غني وفقير، فإن الاجتماع والاتحاد والاتفاق سبيل إلى القوة والبقاء، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والانهزام، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها وتوحيد جهودها والتاريخ شاهد على ذلك عندما يقف الحجاج يبتهلون ويتضرعون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، فالعبد يتضرع والرب سبحانه وتعالى يقبل ويغفر فيقول الله لعبده لبيك وسعديك ارجع مأجورا غير مأزور فيرجع العبد كيوم ولدته أمه حقا إنها الأيام الطيبة، ففي الحج يجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول البيت العتيق، البيت الذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم من خلال صلواتهم في بلادهم الشاسعة البعيدة، هم الآن يجتمعون حوله ويرى بعضهم بعضا يتصافحون ويتشاورون ويتحابون، خلعوا تلك الملابس المختلفة والمتباينة من على أجسادهم ووحدوا لباسهم ليجتمع بياض الثياب مع بياض القلوب فهو صفاء في الظاهر وصفاء في الباطن، إنها لحظات رائعة جميلة وهم يتحركون جميعا من منى، ثم يقفون ذلك الموقف العظيم يوم عرفة وقد اتحدوا في المكان والزمان واللباس.فهذه الأيام المباركة يوم عيد وفرح للمسلمين المسلمون فيها بين طائف ومعتمر وبين متصدق ومضحٍّ وبين ذاكر وشاكر ففي هذه الأيام ترتفع أكف الضراعة لرب البرية كل حسب استطاعته وما أجمل أن نضحي سائلين المولى أن يمن علينا بحج مبرور وذنب مغفور، فعلى صعيد عرفات يقف حجاج بيت الله الحرام ترتفع الأيدي والابتهال إلى رب البرية والمخلوقات عندئذ تسكب العبرات تضرعا لرب السموات وطمعا في الجنات وخوفا من النيران إنها حقا أيام مباركة ورحمة متنزلة ومنحة من رب جليل لخير أمة أخرجت للناس، فلقد جعل المولى سبحانه وتعالى للمسلمين في أيام دهرهم نفحات وأمرهم بالتعرض لعل أحدهم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا، فأمة الإسلام أمة واحدة جمع الله بينهم تحت مظلة واحدة وهي مظلة التوحيد لرب العالمين وتحت راية واحدة وهي راية الإيمان بالواحد الديان، فجعل لهم شعائر تجمعهم في صعيد واحد وهم يلبسون زيا واحد يناجون ربا واحدا، إنها إلف القلوب وتجميع الأبدان بألسنة تلهج بذكر الواحد الرحمن، فعندما طل علينا عيد الأضحى حيث نلمس مظاهر البهجة تعم البيوت والشوارع، ومهما كانت المبالغة في استقبال العيد لدى البعض إلا أن سمة الحب والتسامح تبقى هي الهدف الأسمى، فكم نتمنى أن يكون الهدف واحدا ألا وهو بداية مرحلة جديدة خالية من الأخطاء والسلبيات، وذلك لأن إقامة الأعياد ترتبط بغريزة وجبلة طبع الناس عليها فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات يحتفلون فيها ويتجمعون ويظهرون الفرح والسرور فهذه أعياد نسك جاءت بعد العبادة وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :(إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) متفق عليه، كما ظهر جليا اختصاص المسلمين بهذين العيدين وهما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها، لذا لا يستطيع المسلم إلا أن يكون صاحب رسالة في هذه الحياة وهي أن يكون الحكم لله وحده في شتى شؤون الحياة.