10 سبتمبر 2025

تسجيل

عروس الكلام

24 سبتمبر 2012

يقول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين: " والدليل على أن العرب أنطق، وأن لفظها أدلّ، وأن أقسام تأليف كلامها أكثر، والأمثال التي ضُربت أجود وأيسر. والدليل أن البديهة مقصورة عليها، وأن الارتجال والاقتضاب خاصٌ فيها. و ما الفرق بين أشعارهم وبين الكلام الذي تسميه الفرس والروم شعراً؟ ". نحن عندما نتحدث عن اللغة العربية، فإننا بصدد الحديث عن إرث حضاري وثقافي ضخم في مختلف الآداب وشتى الفنون، نحن نتحدث عن صلة وثيقة ربطت العربية بدين عظيم، إذ يقول الله تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون "، فلو أنها لم تكمل لما اختارها الله لغة لكتابه الحكيم. إن افتخارنا باللغة العربية، افتخار الأبناء بالأم العريقة النسب، الأصيلة الأعراق، الصافية التي لا يشوبها شائب، الكاملة التي لا يعتريها نقص، فقد قال القلقشندي: " هي اللغة التامة الحروف الكاملة الألفاظ، إذ لم ينقص عنها شيء من الحروف فيشينها نقصانه، ولم يزد فيها شيءٌ فيعيبها زيادته، وإن كان لها فروع أخرى من الحروف فهي راجعةٌ إلى الحروف الأصلية، وسائر اللغات فيها حروف مولّدة وينقص حروفٌ أصلية ". إن لغة ثرية بمفرداتها، قوية ببلاغتها، فصيحة بقواعدها ونحوها، تستوجب ألسنة تتباهى بكل ما تحويه من قياس واشتقاق ونحت، فإذا كانت هي اللغة الأقدر على التعبير، فلماذا وقد نرى من تخلى عنها ليتشدق يومه كله باللغات الأعجمية الأخرى..؟ وقد لا ننكره أمراً أن من الدهاء والفطنة والحنكة ; تعلم اللغات الأخرى، خاصة الحية منها، ولكن علينا أن نعي أن ذلك لا يُلغي هويتنا وهوية ألسنتنا، فلا أظن أبهى من أن نعرّف عن أنفسنا في جميع وسائل الاتصال والبرامج الاجتماعية، كتويتر والفيس بوك وغيره، بملف تعريفي عربي، اعتزازاً وافتخاراً بحروفنا ذات الرسمة الأصيلة، فلتكن إذاً عودتنا إلى أصالتنا وقوميتنا، بعودتنا إلى عربيتنا. إن لغتنا العربية بجلبابها الواسع والفضفاض، المزينة بمفرداتها وتراكيبها وعباراتها وأساليبها، هي الأجدر بأن يكون تمسكنا بها، وافتخارنا بأصالتها بالتحدث بها، والتعمق في خباياها والإبحار في مياهها العذبة، ومن وجهة نظر خاصة، وعلى الرغم من تخرجي من قسم الأدب الانجليزي واتقاني للانجليزية، بالإضافة إلى أنني أدرس الآن اللغة الفرنسية، إلا أنني لا زلت أرى في عربيتي ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هكذا هي وستبقى " عروس اللغات وثريا الكلام "..