12 سبتمبر 2025

تسجيل

لصوص مكشوفون وآخرون متوارون

24 أغسطس 2021

في شهر مايو المنصرم كانت ذكرى الانقلاب المشؤوم الذي أوصل العقيد جعفر نميري إلى الحكم في السودان، وقام بتجريب كل النظريات على شعب السودان. فقد كان اشتراكيا متحالفا مع الشيوعيين، ثم انقلب عليهم، ثم ناصريا، ثم صار إسلاميا، ثم انقلب عليهم وسلم رقبته لأمريكا وتولى أمر تهجير يهود إثيوبيا إلى إسرائيل، واستعاد كثيرون ذكريات فترة حكمه، ومن بين الحكايات المؤكدة التي تم تداولها أن نميري كلف أحد مساعديه ببناء عمارة من كذا طبقة في القاهرة لتكون مسكناً مجانياً للطلاب السودانيين الدارسين هنا، وأشرف المساعد ذاك على تشييد العمارة، ثم أطاحت ثورة شعبية بنميري فعاش دهراً لاجئاً في مصر، وفي هذه الأثناء انهارت تلك العمارة، وهلك فيها خلق كثير من بينهم مساعد نميري ذاك الذي تولى تشييد العمارة وعائلته، واتضح أن الرجل سجل العمارة باسمه، وبعد سقوط نميري دفعه الطمع إلى توسيع الطابق الأرضي ليجعل فيه معرض سيارات، وقام بإزالة بعض الأعمدة فكان أن انهارت البناية. ذكرتني تلك الواقعة بأمر حدث في مدينة السويس في مصر قبل سنوات ويتعلق بسبعة لصوص دخلوا بناية من عدة طبقات غير مكتملة، أي تحت التشييد لسرقة حديد التسليح الموجود بداخلها، ومات اثنان منهم ونقل الخمسة الباقون إلى المستشفى في حالة صحية حرجة وخطرة. وقع الحادث في منطقة سبكتو في السويس. أظن أن القارئ توقف مثلي طويلا عند الخبر: كيف يدخل أناس (سمِّهم لصوصاً) عمارة جديدة غير مكتملة، ويكون مصيرهم الموت والأذى الجسيم؟ هل طخهم "حسنين" حارس العمارة بكذا عيار ناري في المليان؟ لا، فالعمارة لم تكن محروسة! هل كان صدام حسين يخبئ الأسلحة الكيميائية والجرثومية في تلك البناية. قطعا، لا، وإلا لسمعنا بموت الآلاف في السويس دفعة واحدة؟ هل انفجرت فيهم ألغام من بقايا الحروب الثلاثة التي شهدتها السويس؟ سؤال سخيف فلو كانت هناك ألغام في موقع العمارة لانفجرت عند حفر أساساتها. ما حدث هو أن العمارة انهارت أثناء سرقة الرجال السبعة للسيخ منها. يبدو – والله أعلم– أن أحدهم سحب "سيخة" كانت مثبتة من أحد طرفيها في جدار أو عمود وتسبب ذلك في الانهيار.. يحضرني دائما مقطع صغير من قصيدة للشاعر السوداني محمد الفيتوري -رحمه الله- وقد عاش غريباً عن وطنه في المغرب في سنواته الأخيرة، يقول فيه: لماذا مشى قاتلا ثم عاد قتيلا؟.. هذه الكلمات البسيطة تلخص تجربة اللصوص أولئك. ولكن ما استوقفني في حكايتهم/مأساتهم أنه ما من أحد أشار إلى أنهم بموتهم وإصاباتهم البليغة افتدوا عشرات وربما مئات الناس، بعبارة أخرى فإن العمارة كانت قيد البناء بالبسكويت.. يعني كان مصيرها أن تقع وتنهار، عاجلا وليس آجلا!! وكلنا نعرف كيف ارتفعت أسعار مواد البناء، والمضطر يركب الصعب، ولكن حتى البسكويت ارتفعت أسعاره، وهكذا توقف العمل فيها إلى حين البحث عن بديل أرخص من البسكويت. ربما كان صاحبها او المقاول مشغولاً خلال الفترة الماضية بجمع فتافيت الخبز الناشف من مقالب القمامة،.. ثم طحن الغلاء العظام، ولم يعد هناك من يرمي "فتفوتة" خبز في برميل النفايات، فلم يتمكن من مواصلة البناء. توقعت أن أقرأ في ثنايا الخبر جزئية تقول: إن صاحب العمارة المنهارة قيد الاعتقال بعد أن كشف الحادث أن هناك تلاعباً في مواصفات البناء، ولكن هيهات.. الضحايا حرامية، والحرامي في عُرفنا ليس من البشر.. أما من يدخل السجن فإنه يتلقى حكما بالإعدام المعنوي. تقتل لصاً سرق قميصاً من حبل الغسيل في بيتك ولا تثريب عليك! وإليكم حكاية اللص السوداني وهي واقعة شهدتها الخرطوم قبل ست سنوات، فقد سرق الرجل دراجة من أحد البيوت فطارده صاحب البيت وقتله؟ هل تصدق أنه أطلق على اللص قذيفة صاروخية مخصصة لتدمير الدبابات؟ قذيفة آر. بي جي RPG وقد تابعت مجريات القضية، ولم أسمع أنه تم تقديم صاحب البيت للمحاكمة بتهمة القتل العمد أو الخطأ، أو مساءلته عن الكيفية التي حصل بها على القذيفة الصاروخية المخصصة فقط للجيوش ليحتفظ بها في بيته..! [email protected]