29 أكتوبر 2025

تسجيل

لابد من حوار الأجيال في بلداننا العربية

24 أغسطس 2014

في الحديث التلفزيوني الذي أجرته الفضائية العمانية ( مباشر)، تحدث معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية، في العديد من القضايا الداخلية والخارجية، ومنها الحديث عن أهمية إعطاء الشباب الفرص باعتبارهم أمل الحاضر وعدة المستقبل، وكان رأيا جديرا بالاهتمام والتقدير، وهذا بلا شك هام وضروري في هذا العصر الذي تموج في فضائه الأفكار والمعلومات، بما لم يسبق له مثيل، والأهم هو الحوار مع الشباب، أو حوار الأجيال، من أجل سبر أغوار رؤيتهم وأفكارهم، ومعرفة ما يدور في عقولهم من رؤى حول الحاضر والمستقبل، ولإتاحة الفرصة للشباب أن يعبر عن ذاته، والإعراب عن ما يجيش في ذهنه من أفكار وتطلعات مستقبلية لهذا الوطن العزيز من خلال الندوات والمحاضرات واللقاءات المتعددة القضايا والموضوعات باعتبارها ضرورة وهامة لمستقبلهم الواعد، وكنت أتمنى أيضا أن يقام حوار (أجيال) بين جيل الشباب، وجيل الأكبر سنا، وهذا مهم أيضا لاكتشاف الفجوة بين الجيلين، ويكون تكملة للندوة السابقة، وفتح باب المناقشة والمكاشفة في كل الموضوعات الوطنية والفكرية والاجتماعية، بهدف تقليص الفجوة بينهما، ومناقشة رؤى وتطلعات هؤلاء في كل القضايا التي أثيرت وطرحت في فترة الاعتصامات ، فالحوار أصبح من القضايا والموضوعات الهامة، لكل المشكلات العالقة والخافتة في عصرنا الراهن، وهذا هو المنهج الصحيح لمعرفة ما يدور في أذهان وعقليات هذه الأجيال، وتطلعاتهم تجاه المستقبل ، وما هي المعوقات أو السلبيات التي نراها عائقة تجاه مسارنا القيمي أو الفكري أو التنموي ؟.من هنا فإن الحوار الذاتي داخل الأمة الواحدة يمثل خطوة هامة في المرحلة الراهنة ، ولن تستطيع الأمة أن تحقق نجاحات في طرائق وأساليب ومنطلقات الحوار مع الآخر المختلف إلا إذا أرست تقاليد الحوار الداخلي [ الذاتي ] بين تياراتها ونخبها المختلفة ، والقبول بالتعدد والاختلاف والمغايرة في الأفكار والاجتهادات دون إقصاء أو استبعاد أو نفي ، فإذا لم نستطع أن نقيم حواراً بيننا ونقبل به، فإننا لن نطمح في حوار مثمر مع الآخر المختلف . وهذا الحوار الداخلي الملح والضروري في مسار الأمة لن يتحقق بصورة عشوائية أو عاطفية، بل إن هذا الحوار يحتاج له أن ( يبرمج ) ويؤسس على منطلقات صريحة وواضحة لحل القضايا التي تقف في وجه وحدة الأمة وتآلفها واتفاقها في القضايا الكبرى ـ ومن هذه المنطلقات ـ كما يعددها الدكتور عبد العزيز بن عثمان التو يجري ـ الرصد الشامل لعوامل " تفاقم الأوضاع الاجتماعية واحتوائها ، والعمل على تدعيم سبل الاستقرار والتنمية ، وحتى تصبح الحوارات الوطنية في العالم العربي الإسلامي بمثابة نقطة تحول وانطلاق إلى آفاق جديدة في واقعنا السياسي والاجتماعي وفي الميادين كافة ، لا بد أن نحرص على الإدارة العلمية والدقيقة لهذه الحوارات ، وفي اتجاهنا نحو هذه الغاية لا بد أن نفرّق أولاً بين مفهومي " الحوار " و " عمليات التفاوض الجمعي، وذلك تجنباً للفوضى والوقوع في المحظور ، والسير في الاتجاه الخطأ. وهذا الضرب من الحوار ، الذي يمكن أن نصطلح عليه " بالحوار الداخلي " ، هو خطوة أولى نحو الحوار مع الخارج ، لأنه يقوي النسيج الوطني في كل بلد من بلدان العالم العربي والإسلامي ، من جهة ، ويكسب المجتمع مناعة أصبحت اليوم ضرورية للتعامل مع العالم المحيط بنا ، من جهة ثانية . لأننا لا يمكن أن نفلح في الحوار مع العالم ، ما لم نفلح في الحوار مع أنفسنا . فالحوار الشامل والمتعدد لوجهات النظر المختلفة داخل الأمة الواحدة هو السبيل الأسمى والأرقى لضبط الاختلاف المذموم ـ اختلاف التضاد ـ وتفعيل قيم التعاون والتآلف والتكاتف . وبدونه تدخل ساحاتنا العربية الإسلامية في أتون " النزاعات ودهاليز الفرقة والتفتت . والقمع والقهر لا ينهي فرقة وتجزئة ، وإنما يزيدهما تأججاً واشتعالاً وحرارة . لذلك كله فإننا مع الحوار الداخلي بكل أشكاله ومستوياته . وينبغي أن ندرك جميعاً أن البديل المتوفر عن الحوار في فضائنا العربي والإسلامي ، هو الحروب الأهلية وعمليات الإقصاء والتهميش والتمييز والتعصب الأعمى . ولنا في الدول العربية والإسلامية التي ابتليت بالحروب الداخلية خير مثال، وكلنا ندرك المصير الذي وقعت فيه وما تزال . فالأزمة استفحلت في هذه الدول حينما أغلق باب الحوار ، وغيبت قيم التسامح والتعددية والديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان . وكان البديل الذي اشترك الجميع في صنعه وخلقه، هو الحرب الداخلية العمياء التي أضرت الجميع وجعلت مستقبل هذه الدول على كف عفريت . حتى إن الذين يعتقدون أن الاختلافات المذهبية حول بعض القضايا الفرعية أو غيرها المتعلقة بالنص القرآني وتفسيره ، فإن الإمام أبو حامد الغزالي ورحمه الله ـ كما يورده الكاتب/ علي أومليل ـ يرى أن " اختلاف الناس حول النص القرآني لا يعني بالضرورة أن الاختلاف كامن في النص نفسه . لو التزم القوم على الأقل ، بهذا التمييز لأقرّوا بأن الاختلاف بينهم طبيعي ولاعتبر كل طرف أن اختلاف خصمه إنما هو اختلاف معه هو وليس خلافاً مع النص". فالاختلاف من هذا المنطلق حالة طبيعية لاختلاف الأفهام والعقليات لمشروعية الاجتهاد ومن المستحيل أيضاً القبول بالاجتهاد دون القبول بآثاره التي من جملتها اختلاف نظر المجتهدين . ولكننا في الوقت الذي نعتبر فيه أن الاختلاف حالة طبيعية مرتبطة بالوجود الإنساني ، نرفض الاختلاف المطلق أو ما يصطلح عليه بـ ( الاختلاف من أجل الاختلاف ) ، لأن معنى هذا الاختلاف هو التشتيت الدائم والمستمر للآراء والأفكار ، ويبقى كل منها منغلقاً على ذاته ، رافضاً للآخر ، كل منها يشكل عصبية لا تقبل التعايش والحوار ، فهو صراع عصبوي حتى لو تجلبب بجلباب الاختلاف .فالاختلاف في حدوده الطبيعية ليس مرضاً يجب التخلص منه والقضاء عليه ، بل هو محرك الأمم نحو الأفضل ، ومصدر ديناميتها ، وهو يقود بالإدارة الحسنة إلى المزيد من النضج والوعي والتكامل . ولذلك فإن الحوار الداخلي أصبح فريضة وضرورة لإبعاد شبح الخلافات والمشاحنات وربما المصادمات التي تهدد الأمة في وحدتها وتماسكها ، ومن الأهداف التي يتعين على الأمة تحقيقها " التقريب بين وجهات النظر المتباينة حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك التي ترتبط بمصير الأمة ، والتنسيق بين السياسات والمواقف التي يتخذها صانعو القرار في شتى حقول الاختصاصات ومستويات الصلاحيات ، وإذا كانت المبادرات العلمية التي تعنى بالتقريب بين المذاهب الفقهية الإسلامية ، قد أخذت في الانتعاش في هذه المرحلة ، فإن هذا ليس إلا ضرباً من الحوار بين المسلمين ، على المستوى الفقهي والعلمي . ولذلك ينبغي أن تتخذ المبادرات على مستويات أخرى ، للتقريب بين السياسات والمواقف ووجهات النظر والاختيارات والاجتهادات في المسائل ذات الصلة الوثيقة بحياة المسلمين وبحاضر العالم الإسلامي وبمستقبله ، على أن يشارك في ذلك ، ممثلو الحكومات والمجالس المنتخبة والهيئات التمثيلية والمنظمات والاتحادات والجمعيات ذات الاهتمامات العامة ، بحيث تتسع دوائر الالتقاء فيما بين النخب في المجتمعات الإسلامية للتدارس وللتحاور وللتباحث ولمناقشة القضايا المطروحة بروح الأخوة وفي إطار الاحترام المتبادل والحرص على المصالح العليا للأمة في المقام الأول وفي هذه الأجواء يصبح للحوار بين الفرقاء معنى عميق في الواقع العربي والإسلامي ، لا على المستوى النظري والفكري والثقافي فحسب ، ولكن على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني ، بالمفهوم الواسع للأمن السابغ الشامل المتبادل الذي يحمي الذات ، والهوية ، والخصوصيات ، والمصالح ، والمنافع ، والسيادة التي هي حق طبيعي لكل مجموعة بشرية ارتضت أن تعيش في إطار نظام اختارت سياساته ، وأقامت قواعده ، ورسمت له أهدافه وغاياته .