13 سبتمبر 2025

تسجيل

العراق.. لعبة الأمم الدامية

24 أغسطس 2014

لا تخطئ العين الحال الذي وصل إليه العراق بعد الاحتلال الأمريكي المباشر، فقد تحول إلى بلد ممزق تلعب القوى الإقليمية والدولية، على حساب الدم العراقي، من سنة وشيعة وأكراد، الذي يسيل غزيرا في كل الأنحاء إلى الدرجة التي يمكن أن نصف فيها العراق حاليا بأنه "بلاد ما بين سيول الدم"، بدلا من بلاد ما بين الرافدين.الناس العاديون في العراق يدفعون ثمن الصراعات الدينية والأيديولوجية والعقائدية وثمن صراع المصالح والسعي المحموم للسلطة، ومحاولات إخراج التاريخ عن مساره ودفعه في اتجاه آخر، وهي المحاولات التي كبدت العراق أكثر من مليوني قتيل، وملايين الجرحى والمعوقين والمشردين، ومزقت بلدا كان يوما حاضرة للعالم كله.الناظر إلى العراق اليوم يجد أنه انتقل من دكتاتورية صدام حسين المقيتة إلى الاحتلال الأمريكي، ومن ثم إلى الاحتلال الإيراني غير المباشر عن طريق أذرعها الشيعية وصولا إلى الاحتلال الإيراني المباشر، فبعض التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 5000 جندي إيراني في العراق، بل إن مراسل قناة الجزيرة أكد دخول 1500 جندي إيراني إلى منطقة جلولاء في محافظة ديالى.وإضافة إلى الاحتلال الإيراني، هناك احتلال من نوع آخر، جديد على الساحة العربية والدولية، المتمثل بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة في "دولة الخلافة" وهو تنظيم مبهم غامض يسيطر على ثلث العراق تقريبا، كما أنه من القوة بحيث تسقط أمامه المدن والجيوش، مثل "قطع البسكويت"، وبرز قوة عاتية "تسونامي"، الأمر الذي استدعى تداعي إيران وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول عربية والأكراد إلى التحالف ضد هذا التنظيم، الذي وصف بأنه "أقوى وأغنى تنظيم متمرد في العصر الحديث"، وبلغت المخاوف إلى الدرجة التي دفعت رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى التحذير من أن "هذا التنظيم المتطرف قد يستهدفنا في شوارعنا" إذا لم يتم وقف تقدمه. وأن على بريطانيا أن تستخدم كل "قدراتها العسكرية" للتصدي للدولة الإسلامية، لكن أهم ما قاله هو "إمكانية التعاون مع إيران للقضاء على التهديد الجهادي"، محذرا من أن الغرب يواجه "صراع أجيال"، بينما وعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإستراتيجية "بعيدة الأمد" لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وحذر من أن "المتطرفين السنة الذين يسيطرون على أنحاء واسعة في سوريا والعراق يشكلون خطرا "على العراقيين وعلى المنطقة بأسرها". ولا بد من التحرك "لأن الذئب على الأبواب".في العراق هناك الآن تحالف جديد يضم الأعداء المفترضين "إيران والغرب" ضد "الذئب السني المتطرف الذي يهدد العالم ويهدد شوارع لندن، وهذا ما جعل هذه الدول تقيم جسرا جويا وبريا لإرسال الأسلحة، بالإضافة إلى شن غارات جوية.لا أحد يتحدث عن قتل المسلمين في العراق الذين يمثلون الأمة، لأنهم ليسوا طائفة، ولا يتحدث عن الإرهاب الشيعي أو الإيراني، لأن هذا الإرهاب "ليس ذئبا على الباب" وليس تهديدا لشوارع لندن وواشنطن. ولا أحد يتحدث عن إرهاب التنظيمات العلوية والشيعية في سوريا التي قتلت حتى الآن أكثر من 300 ألف مسلم، بل يرغب الغرب وعلى رأسه أمريكا، أن يعيد "تأهيل" نظام الأسد ليكون شريكا في "الحرب على الإرهاب السني"، والقتال معا في خندق واحد، لاستئصال "السرطان الإسلامي السني لكي لا يتفشى".ليس هناك عاقل في العالم يستطيع أن يؤيد تنظيم الدولة الإسلامية، فهو تنظيم خطر ليست له هوية، وفي الوقت نفسه لا يمكن تأييد الحرب الإيرانية الغربية على المسلمين (السنة) في العراق، بحجة مقاتلة "الدولة الإسلامية"، لأنه نوع من الإرهاب المنفلت من عقاله، وهو إرهاب لن يقود إلا إلى المزيد من الدمار.. دمار العراق وسوريا والعالم العربي كله.