15 سبتمبر 2025
تسجيللم نتعجب من الأصداء السريعة لمواقف الغرب باتجاه أحداث ليبيا وسوريا خلال الأيام الأخيرة لأن الأمر يتعلق بإعادة تشكيل العلاقات الدولية على أسس إستراتيجية مختلفة في إقليم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط شديد الحساسية والذي تنعكس التطورات فيه على العالم بأسره بسرعة وبطريقة العدوى منذ ثلاثة آلاف سنة. وسيدرك الرأي العام بعد سنوات وبعد أن ينجلي الستار عن الوثائق بأن للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أدوارا خفية في كل ما وقع في العالم العربي والإسلامي منذ خروج المظاهرات التلقائية إلى سقوط الأنظمة القديمة وتتواصل هذه الأدوار إلى اليوم حين نرى الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بين مصر وإسرائيل بسبب استشهاد جنود مصريين ونرى اقتراب التغيير في ليبيا وأيضا حين نسمع صوت النار بين جيشنا التونسي البطل وعصابات مجهولة تسللت من الجوار يوم السبت الماضي. فالمغرب العربي كما المشرق العربي يقع في منعطف طرقات الجغرافيا والتاريخ والحضارة بين قارات إفريقيا وأوروبا وآسيا، ويحملان بالطبع هموم التحولات العملاقة التي تطرأ على العصر من جراء العولمة وإلغاء الحدود وانتقال الأفكار والإيديولوجيات والبشر والبضائع بخيرها وشرها بين الأمم واستمرار منطق الغرب في نسج مناطق النفوذ والحفاظ على مصالحه هو فقط. ثم إن التاريخ الحديث الذي يتشكل أمام عيوننا المبهورة بقيام حركات الكرامة والحريات منذ أشهر قليلة ما هو سوى امتداد حضاري للهزات المذهلة التي غيرت خارطة العالم الإستراتيجية منذ سبتمبر 2001 هذا الزلزال الذي نحيي ذكراه العاشرة هذه الأيام. وقد عزز ذلك المنعرج التاريخي سرعة انتقال بذور العنف من المشرق إلى المغرب بسبب اتساع وسائل الاتصال وانتشار أجهزة الإعلام والتحام شعوب العرب والمسلمين أمام القهر والتحديات والمظالم. فالذي حدث في العالم الإسلامي مع القرن الحادي والعشرين هو ميلاد القاعدة أي في الحقيقة نوع جديد غير مسبوق من العنف الأعمى الذي يواجه بعنف أعمى هو الآخر إلى أن بدأ العرب والمسلمون يعيدون قراءة واقعهم بعيون مختلفة ويحاولون بناء دول الحق والعدل وحقوق الإنسان بعيدا عن دول الاستبداد وعن أيديولوجيات الوهم. فالقوى العظمى كالولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي أو الصاعدة كالصين أو التي كانت إمبراطوريات ثم أفل نجمها كفرنسا وبريطانيا تسعى جميعا إلى تقاسم غنائم الربيع العربي الراهن في مطلع القرن الحادي والعشرين تماما كما تقاسمت الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية غنائم العالم الإسلامي العثماني في بداية القرن العشرين بواسطة معاهدة سايكس بيكو يوم 16 مارس 1916. نعم! إن التاريخ كما يقول فرناند برودل فيلسوف التاريخ مسلسل إعادة إنتاج للفواجع الإنسانية بأشكال مختلفة، لكن بذات المنطلقات ونفس الآثار والتداعيات الفادحة. ونحن العرب إذا لم نستيقظ على هذه الحقائق الخالدة والنواميس الدائمة في منطق التاريخ سنجد أنفسنا بعد صفقات تقاسم الغنائم مجرد بضاعة بخسة الثمن في سوق المزايدات الدولية بلا أي تحكم في مصائرنا. فمشروع الاتحاد المتوسطي الذي يدعو إليه ساركوزي مثلا لا يخفي برامجه وراء الأصباغ والمساحيق، بل يعلن بأن الغايات الأمنية (لحماية الاتحاد الأوروبي!) هي الأولوية لباريس مع تأكيده بأن أولوية الدبلوماسية الفرنسية هي أمن إسرائيل أولا ثم إنشاء دولة فلسطينية ثانيا مع أن الرئيس الفرنسي هو سيد العارفين بأن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 1967 جعل تأسيس دولة فلسطينية أمرا مستحيلا! اللهم إلا إذا لجأت فلسطين وهي موحدة للأمم المتحدة الشهر المقبل لفرض حقها. وبالطبع فإن الهدف الأوروبي نبيل مشروع لكن هل يمكن حماية أوروبا من أشباح التهديد الإرهابي دون إيجاد الحلول الجذرية والعادلة والشاملة لقضايا فلسطين والعراق وأفغانستان؟ وهل يكفي أن تنسق الدول على ضفتي المتوسط جهودها في البر والبحر حتى يغيب شبح العنف نهائيا؟ إن الغرب بما فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزال يتردد أمام مأساة شعب فلسطين وأمام الثورات العربية التي نحتاج إلى تضامن دولي. أما حماية أوروبا من الهجرة السرية فلن تنجزها بعض خافرات السواحل حتى لو اجتمعت قيادات الحرس الحدودي في الاتحاد المتوسطي شمالا وجنوبا وشرقا غربا، لأن الحل الجذري إلى جانب الحراسة الحدودية هو إقامة الشراكة الاقتصادية الحقيقية بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب والذي ظل حبرا على ورق برشلونة واتفاقيات خمسة زائد خمسة منذ عشرة أعوام. مع أن أوروبا تعلم بأنها هي ذاتها لم ينقذها ولم ينهض بها بعد ويلات الحرب العالمية الثانية سوى اتفاق شراكة مارشال الذي أنفقت فيه واشنطن على الحليف الأوروبي المعاق 68 مليار دولار! فماذا تفعل فرنسا وأوروبا اليوم تجاه المغرب العربي وهو الإقليم الذي يشتبك أمنه مع أمن أوروبا التي لا تبعد عنه سوى 14 كيلومترا وكذلك يرتبط نموه الاقتصادي بنمو أوروبا أكثر بكثير من بلدان أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى أن وشائج الثقافة. التاريخ والحضارة شكلت جسورا طبيعية بين شمال وجنوب البحر المتوسط.