14 سبتمبر 2025
تسجيللقد جاء الإسلام برسالته الخالدة والعادلة واهتمامه بحياة الإنسان من جميع جوانبها، فهو خليفة الله في الأرض وعليه أن يسعى لإعمارها واستثمارها بكل أمانة وإخلاص وألا يفسد فيها، وألا يعمل على تشويهها أو تدهورها. قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة". وقال تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان به صدقة". لقد بدأ الإسلام بتعريف الإنسان بحقيقته، حتى لا يطغى ولا يسيء إلى نفسه ولا إلى من يحيط به، فطالبه الله بتحقيق مبدأ العبودية فقال: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، فالعبودية تعني الطاعة، والطاعة تعني الالتزام بأمر الله، والبعد عما نهى عنه: يقول الله تعالى في القرآن: "قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها"، كما طالب الإسلام بالصلة الراسخة بالله في السر والعلنية، ووظَّف أسلوب الترغيب والترهيب لضبط السلوك من أجل الوصول إلى الإيمان، لأن الإيمان يعني سلوكاً إنسانياً سوياً إيجابياً، ففي حين شجع الإسلام كل ما هو مفيد للبيئة الإنسانية والطبيعية، وضع عقوبات على المسيء للبيئة بكل جوانبها، وبهذا ضبطٌ دائمٌ لسلوك الإنسان نحو الخير والعطاء والتضحية، والبعد عن الإثم والشر، وبالتالي يشكل هذا ركناً من أركان حماية البيئة في الإسلام. والعلم هو المدخل الصحيح للتربية بشكل عام، والتربية البيئية بشكل خاص، لذلك نرى الإسلام قد طالب الإنسان بطلب العلم، من أجل كشف قوانين بيئته الصحيحة، والبيئة الكونية، وجعل ثمرة ذلك، التقرب إلى الله سبحانه، قال تعالى: "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ"، وجعل طلب العلم فريضة لابد منها، وأمر الإسلامُ بالعلم دون اعتبار لحدود المكان أو الجنس، وجعل الإسلام العلم يشمل كل فئات الأعمار، ويبدأ منذ الولادة وحتى الوفاة. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)).رواه ابن ماجه. فالتربية تعني السمو بالسلوك الإنساني وتنميته وتطويره وتغييره، فهي تهدف إلى تزويد أفراد الجيل بالمهارات والمعتقدات والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة التي تجعل منهم مواطنين صالحين في مجتمعهم متكيفين مع الجماعة التي يعيشون بينها. وحديثاً بدأ الاهتمام بالتربية البيئية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي بانعقاد مؤتمر ستوكهولم عام 1972 الذي أكد أن التربية البيئية تهدف إلى معايشة البشر للمشكلات البيئية والتدرب على المشاركة وتنمية الوعي البيئي، بهدف إعداد أجيال واعية ببيئتهم الطبيعية والاجتماعية والنفسية.. وباعتراف المؤتمر بدور التربية البيئية واعتبارها ركنا من أركان المحافظة على البيئية، برز مفهوم الوعي البيئي الذي يعنى بزيادة فهم الإنسان لمحيطه الدقيق ولعناصر البيئة المختلفة. إن التربية البيئية هي اتجاه وفكر وفلسفة تهدف إلى تنمية الخلق البيئي لدى الإنسان بتوجيه سلوكه في تعامله مع البيئة بمؤثراتها البشرية، وإعداد الإنسان للتفاعل مع عناصر البيئة المختلفة، مما ينمي معنى التكيف من أجل البيئة واستمرار تكييف البيئة من أجله وحماية النظام البيئي بمفهومه الشامل. ويتطلب هذا إكساب الإنسان المعارف البيئية التي تساعده على فهم العلاقات المتبادلة بينه وبين عناصر البيئة من جهة أخرى، ويتطلب كذلك تنمية مهارات الإنسان التي تمكنه من المساهمة في تطوير هذه البيئة على نحو أفضل، وتستلزم التربية البيئية أيضا تنمية الاتجاهات والقيم التي تحكم سلوك الإنسان إزاء بيئته، وإثارة اهتمامه نحو هذه البيئة، وإكسابه أوجه التقدير لأهمية العمل على صيانتها والمحافظة عليها وتنمية مواردها. وهذا كله يمكن تحقيقه بفعالية إذا استطاع البيت أن يعمل على تنشئة الأفراد تنشئة بيئية سليمة، وإذا تمكنت المدارس والكليات والجامعات من غرس هذه القيم للأجيال الناشئة وإدخال ذلك في مناهجها والعمل على تطبيقها، وإذا ما حافظ المجتمع على هذه المكتسبات وعمل على توعية الأفراد وتنمية مداركهم نحو القضايا البيئية مما يسهم في خدمة البيئة وسلامتهم والمحافظة على صحتهم ومواجهة التحديات البيئية بكل أشكالها وألوانها من أجل مستقبل أكثر إشراقاً، وكوكبٍ خالٍ من التلوث.