14 سبتمبر 2025

تسجيل

فن السعادة

24 يوليو 2015

السعادة فن من الفنون التي يجب على الإنسان أن يتعلمه ويتدرب عليه ويتقنه منذ الصغر كما يتعلم (الإتيكيت) والقراءة والكتابة، وكون المرء يعلم بطبيعة الحياة من حوله والتي لا تخلو أبداً من منغصات ومصاعب سواء كانت مادية أو شخصية، فهذا يعني أن عليه أن يتقبل الواقع بهمومه ومشكلاته التي لا تنتهي دون أن نسمح لهذه الهموم باختراقنا وتحويلنا إلى أسرى لها، وليست هذه دعوة للسلبية وعدم التغلب على مصاعب الحياة أو قهرها، فبعض المصاعب من طبيعة الحياة نفسها، فمشكلات الأبناء والبنات ومعاناة العمل والتعايش مع شريك أو شريكة حياة صعب التعامل معه أو معها، كلها مشكلات قد نتعرض لها ولا نملك التخلص منها، وليس لدينا من وسيلة في التعامل معها إلا باعتبارها واقعا يجب أن نتعايش معه دون أن نسمح له بأن يفرض نفسه على مشاعرنا وعواطفنا ويقضي على إحساسنا بالسعادة وبهجة الحياة، فليس بالضرورة أن تكتمل لدى المرء جميع متطلبات الحياة من مال ومنصب وصحة وعائلة ليكون سعيداً فالسعادة ليست دائماً مرتبطة بظروف وشروط معينة. فجزء من السعادة رضا الإنسان عن نفسه، حتى لو لم يحقق الكثير من إنجازات الحياة المتعارف عليها، فموضوع الإنجاز نسبي للغاية ويختلف تبعاً لنظرة المجتمع والناس لمفهوم الإنجاز، وإن كان معظم الناس في مجتمعنا يرون الإنجاز هو الوصول إلى منصب رفيع وكثرة عدد الأصفار على يمين ما يملكون من أرصده بنكية. فالسعادة التي اختلف الفلاسفة في تعريفها منذ بدأ الكائن البشري في التفكير وعرف الإنسان الفلسفة التي هي حسب التعريف اليوناني القديم (حب الحكمة)، حيث قدم كل فيلسوف منهم مفهومه للسعادة، منذ سقراط والأبيقوريون (نسبة للفيلسوف أبيقور)، والرواقيون (الذين كان معلمهم زينون يجلس في رواق مكشوف ويلقي لهم بتعاليمه)، وفلسفة أفلاطون في السعادة التي بنى عليها مدينته الفاضلة. مروراً بالفلاسفة المسلمين أمثال إبن سينا وإبن رشد في القرون الوسطى حتى الفلاسفة الأوربيون منذ عصر النهضة حتى العصور الحديثة. فالفيلسوف اليوناني أبيقور الذي اعتبر أن السعادة تتمثل في اللذة وهي (غاية الحياة السعيدة)، ويقوم تصور أبيقور للسعادة باعتبار أن الإنسان جسد ونفس فإن سعادته تكمن في تحقيق الخير الملائم لطبيعة النفس والجسد. والخير الملائم لطبيعة الجسد هو اللذة أما الخير الملائم لطبيعة النفس فهي الطمأنينة. والسعادة في مفهوم الرواقيون تكمن في تقبل الحياة بكل تقلباتها، والسيطرة على كل المشاعر التي تنتاب الإنسان مثل الخوف والحزن، والإيمان بجبرية القدر وكون الإنسان مسيّر ولا يمكنه الإفلات من قبضة القدر. بينما يرى أرسطو ان السعادة تكمن في حياة التأمل والتفكير باعتبار الإنسان إنما تميز عن بقية الكائنات بالعقل. ويعتقد ابن سينا أن السعادة الحقيقية لاتكون لا بالحس ولا بالبرهان، بل تكون بالتحلل من إسار الجسد والاتصال بالعالم القدسي النوراني، والسبيل في ذلك هو القلب والروح وتطهير النفس الناطقة. وبعيداً عن كل ما تفلسف به الفلاسفة وفسره الحكماء، فالسعادة إحساس نستحق أن نعيشه مهما كان واقعنا اليومي.