17 سبتمبر 2025

تسجيل

فجوة ثقة متفاقمة

24 يوليو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استضاف مقدم برنامج الديلي شو الساخر جون ستيورات الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حلقة بدت أكثر جدية مما ينبغي لمثل هذا النوع من البرامج، وبالرغم من تهكم جون ستيورات عندما سأل مع أي فريق في الشرق الأوسط تقف الولايات المتحدة، إلا أن أوباما رد بطريقة لا تخلو من حس المفارقة قائلا بأنه لو أحضر ديك تشيني إلى طاولة المفاوضات لكان الاتفاق على ما يرام. في الأشهر الأخيرة سخر أوباما من الذين عبروا عن خشيتهم وقلقهم مما ظهر وكأنه "استجداء" لاتفاق مع إيران ليكون بمثابة تركته في الشرق الأوسط. والذين انتقدوه من داخل أمريكا وخارجها استحضروا اتفاق ميونخ الشهير في عام ١٩٣٨ والذي قدم فيه رئيس وزراء بريطانيا تشامبرلين تنازلا هاما لصالح هتلر آملا في السلام ليحصل في النهاية على حرب عالمية مدمرة. والرئيس أوباما لم يقم وزنا لمثل هذا الاستحضار لأنه لا يرى بأن سياسة بلاده تتعارض من التزام واشنطن بإستراتيجية المنع (prevention) التي شكلت حجر الزاوية في مقاربته إزاء إيران. وفي الكثير من الأحيان كان أوباما يلمح إلى حلفائه بأن لأمريكا أجندة كونية لا يمكن إخضاعها لمعايير وهواجس بعض دول المنطقة. لكن الأمر ليس كما لو كان الرئيس أوباما غير مهتم بحلفائه وإن اختلف معهم بقراءة المشهد برمته، لهذا دفع بوزير دفاعه آشتون كارتر لزيارة إسرائيل والأردن والسعودية حتى يوضح لهذه الدول بأن بلاده تلتزم بأمن هذه الدول. والرسالة الأهم التي أرادت إدارة أوباما إرسالها عبر آشتون كارتر تتمثل بأن الولايات المتجدة ستبقى متيقظة وستقف بوجه النوايا الشريرة لإيران. بمعنى أن الولايات المتحدة ستحافظ على الاتفاق بصرف النظر عن مواقف حلفاء أمريكا الذي اعتبروا أن الاتفاق يشكل خطأ تاريخيا سيكون له عواقب كبرى في المستقبل. وبنظر الإدارة فإن الاتفاق هو شامل وهناك آليات للتحقق من امتثال إيران للشروط المفروضة عليها وأن هناك أيضا آليات لإعادة العقوبات (snap back) بسرعة إن لزم الأمر. لكن المسألة هي أعمق بكثير من مهمة يقوم بها وزير دفاع، فوفقا للباحث اللبناني المعروف الدكتور نديم شحادة فإن هناك فجوة ثقة بين أوباما وحلفاء بلاده في الشرق الأوسط، والراهن أن هناك انطباعا في الشرق الأوسط يفيد بأن أوباما غير قادر على فهم ديناميكية عدم الاستقرار في المنطقة ناهيك عن امتلاك زمام المبادرة أو وضع إستراتيجية شاملة للتعامل مع تطورات المنطقة التي قلبت الكثير من المعادلات السابقة، والحق أنه يصعب الإشارة إلى خطوة أمريكية واحدة ساهمت في التخفيف من أثر إيران السلبي في الإقليم، فالأخيرة ما زالت تحكم العراق وتعبث بلبنان وتخلق المشاكل في اليمن وتتحكم بنظام الأسد، وبالتالي فإن تعهد إدارة أوباما بالبقاء متيقظة للتصدي للنوايا الشريرة لإيران لا ينطوي على أي جدية، فعجز أوباما وعدم فعاليته في وضع أي إستراتيجية ما عاد يخفى على الخصوم والأعداء على السواء. وبعيدا عن إسرائيل التي سيبقى الحفاظ على أمنها وتفوقها العسكري أمرا يجتمع عليه الحزبان الديمقراطي والجمهوري، فإن الجانب الذي يحتاج إلى طمأنة غير لفظية هو الجانب العربي الذي بدأ يفقد ثقته بالتزامات الولايات المتحدة لأمن الوضع القائم. وبتقديري فإنه ينبغي أن لا يرتاح الجانب العربي إلا إذا امتلك زمام المبادرة والقدرة على وضع إستراتيجيات تخدم تصوراتها الأمنية بدلا من موضعة نفسه في سياق إستراتيجية الولايات المتحدة للإقليم. وهناك مؤشرات بأن الولايات المتحدة تحرك العديد من أبناء المنطقة لرفع حدة الانتقادات للأنظمة العربية. وبالفعل بدأنا نلاحظ عددا من الكتاب العرب المقربين من رموز عربية تعمل بالتنسيق مع الدوائر الغربية ينشطون مرة أخرى للضغط على الأنظمة العربية لتقديم إصلاحات على المقاس الأمريكي دون أن يرافق ذلك المطالبة بخلق الشروط الآمنة للإصلاح، فالمطلوب ليس أكثر من تعميق أزمة بعض الأنظمة العربية لخلق الفوضى باسم الإصلاح وبالتالي تكسب إسرائيل إستراتيجيا ويفتح المجال أمام إيران لمزيد من التدخل. وعودة على بدء، أرى بأن تحركات الولايات المتحدة لا تبعث على الاطمئنان، ولهذا علينا أن نكون متيقظين لما سيجري في قادم الأيام، فلم تكن خشية الجانب العربي من الملف النووي الإيراني بل من مقاربات أمريكية تقوم على تمكين طائفة في المنطقة بحجج واهية حتى تعيد ترتيب المنطقة وفقا لمصالحها. ولذلك هناك حاجة لمشروع عربي داخلي لتمتين الجبهات الداخلية واستعادة زمام المبادرة في التعامل مع التحديات الخارجية وبخاصة بعد أن كشرت طهران عن أنيابها وبعد أن سقطت مقولة "الشيطان الأكبر" وقد تتقدم إيران خطوات في المستقبل نحو "الشيطان الأصغر" بشكل ضار لنا كعرب. بكلمة، لا باراك أوباما قادر على طمأنة العرب ولا ينبغي أن يكون قادرا على فعل ذلك، والسكينة والقوة والمنعة هي داخلية يجب خلق الشروط الضرورية والكافية لها، وربما ما كان لباراك أوباما أن يطرح جانبا موقف العرب لو شعر بأنهم أقوياء. فالرئيس أوباما يرى بداعش الخطر الأول لكنه يتغاضى عما يقوم به فيلق القدس الإيراني إذ لا يمكن الانتصار على داعش من دون إخراج فيلق القدس الذي يشن حربا إقليمية من المعادلة برمتها وهو ما فشل الاتفاق في رؤيته. فالاتفاق الأخير ليس مشكلة بحد ذاته لكنه ربما يعطي إيران الانطباع بأنها يمكن لها أن تستمر في حالة الاستقواء والتنمر وفي دعم قوى سياسية تزعزع الاستقرار.