12 سبتمبر 2025

تسجيل

لا عزاء: مصر في طريق اللاعودة!

24 يوليو 2015

شواهد كثيرة في مسيرة ثورة شباب الإنترنت في مصر، غنيم ورفاقه، كما يحلو لبعض المصريين أن يسموا ثورة الخامس والعشرين من يناير من عام 2011، كانت تشير إلى حدوث ما يحدث اليوم في أرض الكنانة. من هذه الشواهد الكراهية وعدم الثقة المتبادلة بين الكتلتين الأكبر في المجتمع السياسي المصري التي تتبدى للمراقب بما لا مزيد عليه من الوضوح. أعني بالكتلتين الكتلة الليبرالية، والكتلة الإسلامية، اللتين يتعدى الخلاف بينهما كل الحدود في كثير من الحالات، عندما لا ترى هذه الكتلة إلا عدوا خائنا لأماني الشعب المصري في الكتلة الأخرى. وهكذا تحول الخلاف السياسي بين الكتلتين إلى كراهية تأصّلت وتجّذرت بمرور الوقت. كانت تلك هي التركة الثقيلة التي ورثتها ثورة شباب الإنترنت منذ انطلاقها العفوي. نعم، نجحت الثورة قبل أن يجلس قادتها الحقيقيون ويرسموا خطوطها ومساراتها المستقبلية. تسارع الأحداث وتلقائيتها، وتشعبها، لم يساعد الثوار عديمي التجربة في تدارك ما كان بادياً من فجوات وثغرات يمكن أن يتسلل منها الخطر إلى داخل حصن الثورة والثوار. نجاح الثورة المدهش أقنع الثوار بالعزوف عن تهويمات وجدليات الترف الفكري الذي اشتهر به مثقفاتية عصرنا المجادل هذا. ولكن أسئلة ملحة أبت إلا أن تفرض نفسها مثل أسئلة ملكية الثورة، وهويتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وسبل تأمينها. ولم يلبث أن بان التنافر الحاد بين الكتلتين: كل كتلة أنكرت وجود أي دور للكتلة الأخرى في تفجير الثورة، في مغالطات حادة سهل انتشارها بالأساس تلقائية انفجار الثورة وغياب أي مواثيق وخطط تحضيرية لقيامها. وفي ظل تعالي الخطاب التهريجي بين الفرقاء، لم يطل الزمن قبل أن يشرع كل طرف في تأمين حصونه ضد ما توهمه خطرا زاحفا عليه من قبل الطرف الآخر. الكتلة الليبرالية أخذت تنقب في الأضابير عن دور خياني قام به الرئيس المنتخب. الرئيس المنتحب يحصّن قراراته دستوريا ضد الطعن فيها. بيادره الموالية انطلقت فضائياتها تشتم الخصوم الليبراليين ببذيء القول الذي تعف عنه الألسن. وتهجم غوغائيون على حرمة القضاء وضرب قضاة وحرمانهم من الدخول إلى مكاتبهم. وحدث الشيء ذاته للإعلاميين والفنانين والصحفيين. وهكذا عادت الشكوك القديمة. بل تبلورت في شكل خوف متبادل لم يلبث أن سوّغ للخائفين في الطرفين مشروعية بحث كل طرف عن سبل تحصين نفسه بطريقته الخاصة. في ظل هذا الورم السياسي استمع العالم لوزير الدفاع المصري وهو يذيع بيان الثلاثين من يونيو 2013 رقم واحد دون أن يسمي ذلك الأمر انقلابا. بقية القصة أصبحت كتاباً مفتوحاً. لقد انزلقت مصر الكنانة في طريق اللاعودة: إعدامات بالجملة. وتفجيرات موازية بالجملة كذلك. وحاج محمد الأسيوطي يشكو لطوب الأرض من كساد أصابه في عز موسمه السياحي. يسأل من فين أجيب للحاجة نبوية مصروف العيال؟ سؤال تستعصي الإجابة عليه.