03 نوفمبر 2025

تسجيل

ليلة القدر، ليلة السلام

24 يوليو 2014

مما يدل على عظمة كتاب الله القرآن، ومنزلته الجليلة، الذي اختُصت بشرفه وعزه أمة رسول الله محمد، عليه الصلاة والسلام، وفُضّلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، حتى كان لها معجزة خالدة باقية، ما بقي الدهر، واستمر الزمن، أنه سبحانه وتعالى جعل لزمن نزوله مَزيّة فريدة، وخيريّة عظيمةً، وهبها أمة القرآن، متمثلة في ليلة القدر،(إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منزلين. فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم).أكرم الله بليلة القدر المسلمين إكراماً كبيرا، حتى كأنها لهم عمرٌ من صالح الأعمال، يضاف إلى أعمارهم القصيرة، التي متوسطها ما بين الستين والسبعين، وقليلٌ من يجوز ذلك، كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث، على خلاف ما كانت عليه أعمار الأمم السابقة، التي كان الفرد منها، يعمّر في الحياة طويلا.هي الليلة المباركة الساكنة الساجية، والله أقسم بالليل إذا سجا، أي إذا سَكَن وهدأ، وما أجملَ وأحسن الليلَ حينذاك. تكون لإشراقها وصفائها، كأن فيها قمراً منيراً ساطعا، هي ليلة سَجْسَج، لا برد فيها ولا حر، وكذلك الجنة سَجْسَج، (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا)، من أهم وأعظم معانيها، أنها سلام، لذلك قدّمه الله تعالى في قوله:(سلام هي حتى مطلع الفجر)، كخبرٍ مقدم للمبتدأ المؤخر (هي)، إشارة إلى أهمية معنى السلام فيها، وكذلك في الدين.السلام الذي اشتق من لفظه الإسلام، الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وسمّى نفسه مَن له الأسماء الحسنى (السلام)، فمنه يكون السلام، وسمّى كذلك جنته دار السلام، (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)، وجعل جل وعلا التحية في دينه بين عباده (السلام)، وجعله أيضاً تحيتهم في الجنة،(سلامٌ قولاً من ربٍ رحيم)، (تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما)، وحضّ الإسلام على إفشائه بينهم، ففي الحديث الشريف:(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).بل جاء إفشاء السلام مقدَّماً، كأفضل خصال الإسلام، في قول النبي عليه الصلاة والسلام:(يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).وليس المطلوب بالتأكيد من إفشاء السلام، هو مجرد التلفظ به كعبارة جوفاء خاوية، لا تحمل معنىً، ولا تشمل مدلولاً، أو صماء مُصمتةً لا تَبِضُّ بعطاء، ولا تنبض بحياة، ولا ينبجس منها ماء، وإنما المطلوب هو تحقيق مقتضى معنى (السلام)، في إلقائه ورده، وهو المسالمة، بأن يسلم الجميع من الأذى والظلم والشر والضُر، فيما بين بعضهم البعض، فلا يعتدي مسلم على مسلم، ولا يجور أخٌ على أخيه، بأي ضروب الاعتداء والجور، فيتجسدُ حينئذٍ معنى السلام قائماً بينهم، ويُصوِّر سمات الإخاء والألفة والتراحم، التي يجب أن يحيوا عليها، ويتمسكوا بها. وإلا فإن إفشاء السلام بينهم دون هذا، يكون عندئذٍ عبثاً وهزلاً، بل يكون زورا.كما جعل الإسلام الانتهاء من أفضل عبادة فيه، وهي الصلاة، بالسلام، ختاماً به، ألا يحق لنا بعد كل هذا، أن نتساءل عن سبب ضعف أو غياب معنى السلام عن حياتنا، في معاملاتنا وسلوكياتنا التي تمثل أخلاقياتنا؟ وألا يحق لنا أن نأسى ونألم لتفريطنا به، وضياعه منا؟ مع أنه أصل أصيل في ديننا، عليه يرتكز، وبه يقوم، وإليه يهدف، وحوله يدور.وما كانت ليلة القدر سلاماً، إلا لأن الشياطين لا تؤذي فيها المسلمين، ولكون الأرض تضيق من عدد الملائكة المكرمين، كما في الحديث المرفوع:(إن الملائكة تلك الليلةِ في الأرض أكثرُ من عدد الحصى)، ولا ريب أنّ في كثرة وجودهم، خيراً عظيماً، ونفعاً عميماً، يعود على عباد الله المؤمنين.