10 نوفمبر 2025

تسجيل

تحقيق الأخوة الإيمانية

24 يوليو 2014

دلت النصوص الشرعية على أن أسس العلاقات بين المسلمين تقوم على أخوة قائمة على الدين مقدمة على جميع الوشائج ، دون أن تلغيها ، ولكنها تتقدم عليها بحيث إذا تعارضت الأخوة الإيمانية مع وشائج القربى من الأبوة والبنوة والقرابة الأخرى ولم يمكن الجمع بينهما؛ فإن الأخوة الإيمانية هي التي يجب أن تتقدم ، وعلى هذا تكاثرت الآيات والأحاديث الكثيرة ، وإجماع المسلمين ، وتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيل الأول ، وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون ، والصحابة الكرام (رضوان الله عليهم أجمعين) . وهذه الأخوة الإيمانية التي تصهر المسلمين في بوتقة واحدة وليست مجرد شعار يرفع ، أو خطبة تقال وإنما لا بدّ أن تكون واقعاً مجسداً تترتب عليها الآثار الآتية :1. الجسد الواحد ، واليد الواحدة : يريد الإسلام من المسلم أن يكون مع أخيه كالجسد الواحد وكالبنيان الواحد يشد بعضه بعضاً ، بل كاليد الواحدة . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ويقول أيضاً: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ، (وشبك بين أصابعه) .2. غير متكبرين ، بل أذلاء بعضهم أمام بعض : من المعروف أن الذل منبوذ في الإسلام ، وأن العز هو المنشود ، ولكن الله تعالى أمر بالذل وأثنى عليه في موضعين فقط ، وهما الذل للوالدين (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ...) والذل للمؤمنين فقال تعالى : ( يا أيها الذين من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين....) فقد رتب الله تعالى على حب هذا القوم المختارين من الله لله تعالى ، وحب الله تعالى لهم : أن يكونوا أذلة على المؤمنين وأعزة على الكافرين ، وأن المراد بالذل هنا ذل اليسر واللين ، فالمؤمن ذلول للمؤمن ، غير عصي عليه ، ولا صعب ، فهو لين لأخيه المؤمن من غير مذلة ولا مهانة ، إنما هو ذل كل واحد للآخر ، وليس من طرف واحد ، فهو كما يقول سلمان الفارسي : (إنما مثل المؤمن للمؤمن كاليدين توضئ إحداهما الأخرى) فهي الأخوة التي ترفع الحواجز ، وتزيل التكلف ، وتخلط النفس بالنفس ، فلا يبقى فيها ما يستعصي ، وما يحتجز دون الآخر ، فقد أزيلت الحساسية بين المؤمنين ، لأن المؤمن مهما كان كبيراً وغنياً وحاكماً فهو متواضع غاية التواضع مع أخيه الآخر مهما كان منصبه ، وحالته الاجتماعية . وكيف تبقى الحساسية بين المؤمنين وقد أصبحوا بنعمته إخواناً يحبون الله ، وهو يحبهم ، وأصبحوا كالجسد الواحد ، واليد الواحدة ، والبنيان الواحد ، وهل في تواضع الأجزاء والأعضاء لبعضها ذل ومهانة ؟! ثم إن هذا الذل للمؤمنين أو العزة على غيرهم ليس من باب اتباع الهوى والشهوات ، بل هو الطاعة والسمع لموجبات العقيدة ، ومقتضيات الأخوة الإيجابية .3. صفاً واحد ، وليسوا صفوفاً ، راية واحدة وليست رايات مختلفة : لم يرض رب العالمين بأن يصف المسلمين جميعاً بالصفوف ، وإنما وصفهم بالصف الواحد فقال تعالى : (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بينان مرصوص).