11 سبتمبر 2025
تسجيلأضحت المعارضة رقما مهما في معادلة الأزمة السورية رغم محاولات الحكم استبعادها وتهميشها وإلصاق الاتهامات بها ووصفها بالجماعات الإرهابية المسلحة غير أنها باتت في المقابل تعاني أمراض الانقسام والتشظي ولتبعية كل فصيل لجهة خارجية وعجزها عن الدخول في دائرة التوافق وبلورة القواسم المشتركة وهو ما تجلى في عدم قدرتها على الالتئام في الملتقى التي استعدت الجامعة العربية لعقده تحت رعاية أمينها العام الدكتور نبيل العربي يومي 16 و17 مايو الماضي. وفي هذا السياق تسعى أطراف عديدة سواء من داخل المعارضة أو من الدول التي ترعاها إلى حشد جهودها وتجميع رؤاها حتى تكون قادرة على التعامل مع مفردات المرحلة القادمة التي من المتوقع أن تشهد حسما للأزمة باتجاه قد يقترب من النموذج اليمني والذي باتت روسيا -الحليف الأساسي لدمشق - تقترب من الانحياز له كآلية لإنهاء الأزمة التي أخذت تتفاقم حدتها في الأسابيع الأخيرة إثر سلسلة من المذابح والمجازر التي ارتكبت ضد المدنيين والمتهم الرئيسي فيها القوات الموالية للنظام بينما تلقى حكومة دمشق المسؤولية على عاتق ما تصفه بالجماعات المسلحة. وأظن أن قوى المعارضة أضحت على دراية كاملة بمخاطر استمرار حالة الانقسام التي يغذيها النظام عبر رموز تزعم أنها تنتمي إلى المعارضة بينما تعمل في الحقيقة لحسابه وهو ما تجسد في إعادة هيكلة المجلس الوطني الذي يمثل الإطار العام الأوسع لقواها وفصائلها قبل أكثر من أسبوعين عبر اختيار قيادة جديدة له ممثلة في "عبد الباسط سيدا "الناشط ذي الأصول الكردية والذي أبدى قدرا كبيرا من الانفتاح على مختلف الفصائل وحماسا أقوى للتعامل مع معطيات ما يسميه بمرحلة ما بعد سقوط نظام بشار. وتلت هذه الخطوة المهمة احتشاد فصائل وقوى المعارضة من أطياف متباينة في لقاء تشاوري بمدينة إسطنبول التركية مؤخرا بدعوة من حكومة رجب طيب أردوغان وإِشراف مباشر من وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو والذي تم خلاله الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لمؤتمر المعارضة السورية الذي ستحتضنه الجامعة العربية مطلع يوليو والتي بدأت بالفعل أعمالها يوم الخميس الماضي، على أن تتولى اللجنة التحضيرية إعداد قائمة المشاركين وجدول الأعمال ومشاريع الوثائق المختلفة التي ستعرض على المؤتمر. واللافت أن لقاء اسطنبول وضع عددا من الأهداف المحورية أمامه تتمثل في: *الوفاء بالتزامات جميع أطراف المعارضة السورية تجاه الشعب السوري والمجتمع الدولي والعمل على تقريب وجهات نظرها وتوحيد مواقفها إزاء تحديات المرحلة الراهنة. *وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته فيما يتعلق بالمجازر المستمرة في المدن والأحياء السورية. *دعم المعارضة لأي مبادرة دولية تهدف إلى وقف القتل وحقن دماء الشعب السوري، وتضمن رحيل بشار الأسد ونظامه، وبدء التفاوض على عملية سياسية تفضي إلى الانتقال السلمي للسلطة. ولاشك أن الخطوة الأهم على صعيد توحيد مواقف المعارضة تتمثل في انعقاد مؤتمرها الموسع بالقاهرة تحت رعاية الجامعة العربية يومي الثاني والثالث من الشهر المقبل وهو التطور الذي حرص الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة على إبلاغ الصحفيين بنفسه عندما كلف مكتبه الصحفي بدعوة الصحفيين والإعلاميين المعتمدين بالجامعة لحضور لقاء معه وكان ذلك يوم الخميس الماضي وكان وجهه وهو يزف النبأ للصحفيين محملا بالبشر والحبور فعقد مثل هذا المؤتمر تنفيذا لقرار المجلس الوزاري للجامعة يمثل نجاحا لجهوده التي يبذلها بقدر كبير من الإخلاص والحماس منذ توليه منصبه قبل نحو عام. وهو – أي العربي – يدرك كما قال لي في لقاء خاص أن المعارضة السورية تواجه عددا من المعضلات الداخلية وقد طالب قياداتها بضرورة التوافق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة بما يقود إلى بلورة واجهة للمعارضة يكون بمقدورها تبني مطالبها ويهيئها لتقديم التطمينات المطلوبة للشعب السوري بجميع فئاته وشرائحه خاصة الأقليات بأنه سيتم بناء دولة عصرية لن تستثني أحدا وستقوم على مبدأ المواطنة في سياق من الديمقراطية والتعددية السياسية الحقيقية. ويبدو من خلال متابعة دفتر أحوال المعارضة السورية أن هناك تناقضات بين فصائلها وتنظيماتها ويمكن في هذا الصدد رصد جملة من الملاحظات: * هناك شريحة من المعارضة تنحاز لفكرة الحوار مع النظام وهي التي قبلت بالولوج في العملية السياسية التي بدأها الحكم وكانت آخر تجلياتها دخول كتلة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير في انتخابات مجلس الشعب وفوز ممثليها بعدد من المقاعد وهؤلاء لديهم قناعة بإمكانية إقناع النظام بإجراء تحولات نوعية في هياكله السياسة والأمنية وإفساح المجال أمام مكونات الشعب السوري – غير حزب البعث للمشاركة في الحكم غير أن هؤلاء يمثلون نسبة محدودة من المعارضة وقد انسحب ممثلوهم من جلسات مجلس الشعب مرتين احتجاجا على بعض الخطوات الإجرائية وليس بسبب خلافات في التوجهات السياسية وفي تقديري فإن هذا النمط من المعارضة يمكن اعتباره معارضة مستأنسة. * هناك معارضة تعبر عن الثورة تمارس أدوارها من الداخل السوري وتتناقض مع النظام في ممارساته السياسية والأمنية ولكنها ترفض التدخل الأجنبي العسكري وتدعو إلى الحوار وهي تحظى بدعم من روسيا والتي وجهت الدعوة لرموزها خلال شهر أبريل الماضي لزيارة موسكو وأبرز من يمثل هذه المعارضة هيئة التنسيق وهي تتهم من قبل تيارات أخرى بأنها تصب في منحى يكرس هيمنة النظام بل وتعمل على إطالة أمد حكمه حتى لو تبنت خطابا يبدو ثوريا. *هناك المجلس الوطني الذي يعد بوتقة تجمع مختلف الفصائل التي تتبنى موقفا راديكاليا من النظام وترفض الحوار معه وتحمله مسؤولية ما جرى وما يجري وهو يرى أن الحل لن يكون إلا عبر خيارات تتم عبر توظيف البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو لا يرى ضيرا من تدخل عسكري دولي تحت عباءة الشرعية الدولية أو تحالف دولي من خارج مجلس الأمن في حال استخدام روسيا والصين لحق الفيتو إجهاضا لأي قرار من قبل المجلس بالتدخل العسكري وهو الأمر الذي لا يحظى بقبول دولي واسع لأسباب تعود إلى أنه لا توجد الإرادة أو الاستعداد لدى الدول القادرة على القيام بأعباء التدخل العسكري للقيام بمثل هذه الخطوة التي تراها فصائل المجلس الوطني ضرورية لوأد الأزمة وإنهاء انتهاكات النظام ضد الشعب السوري. وفي موازاة ذلك تسعى المعارضة لتكريس حضورها السياسي بالداخل وقد لجأت مؤخرا إلى تشكيل برلمان مؤقت في الوقت نفسه الذي جرت فيه انتخابات مجلس الشعب خلال الشهر الماضي وذلك تلبية للإرادة الشعبية ولملء الفراغ الدستوري الحاصل بعد أن أسقطت الثورة السورية شرعية النظام - وفق تعبير بيان رسمي بهذا الصدد. فقد أعلن الثوار داخل سوريا في السادس من مايو الماضي عن تشكيل ما أطلق عليه البرلمان السوري المؤقت، بهدف إنشاء مظلة سياسية دستورية تُمسك زمام الثورة وتُدير الأزمة التي أوجدها النظام سياسياً وعسكرياً، وإنشاء جيش تحرير وطني "مؤسسة عسكرية" يقوم بتحرير سوريا من هذا الاحتلال، بالإضافة إلى بناء مؤسسات الدولة المدنية بشكل عملي داخل سوريا وليس مجرد تصورات ووعود. وحسب البيان فإن البرلمان كفكرة نواة لدولة المستقبل، وما يكرسه من الشكل القادم لطمأنة الأقليات والإقليم والعالم يؤكد أن سورية المستقبل ستكون دولة تشاركية لكل أبناء الوطن، كذلك فإن البرلمان ككيان سياسي لا يستطيع العيش بمفرده بمعزل عن التكتلات الموجودة على الساحة الداخلية والخارجية، لذلك فالبرلمان ينتعش دوره وتعزز إمكاناته بهذا التنوع ويعمل بآلية تشاركية تكون شبيهة بالصمغ الذي يجمع الأجزاء تحت سقف الدستور كما سيعمل البرلمان على إسقاط شرعية النظام والحث على زيادة الضغط الدولي بما يؤدي إلى الانهيار "الدراماتيكي" المتمثل بانشقاقات في الجيش خاصة بعد أن بدأ تشكيل جيش التحرير الوطني. كما ستشهد البلاد هروباً لكثير من الشخصيات التي يعتمد عليها هذا الاحتلال في سياسته الداخلية، وسيبدأ انتقال الأشخاص من ضفة الاحتلال إلى ضفة الثورة، وستخرج الأغلبية الصامتة عن صمتها لوجود جهة قوية تحفظ كيان الدولة وحقوق الجميع فتنحاز لها.